أى: اتركوا الحب في سنبله فلا تخرجوه منها، إلا شيئا قليلا منه فأخرجوه من السنابل لحاجتكم إليه في مأكلكم.
وفي هذه الجملة إرشاد لهم إلى أن من الواجب عليهم أن يقتصدوا في مأكولاتهم إلى أقصى حد ممكن لأن المصلحة تقتضي ذلك.
قال القرطبي: هذه الآية أصل في القول بالمصالح الشرعية التي هي حفظ الأديان والنفوس والعقول والأنساب والأموال، فكل ما تضمن تحصيل شيء من هذه الأمور فهو مصلحة، وكل ما يفوت شيئا منها فهو مفسدة ودفعه مصلحة ولا خلاف، فإن مقصود الشرائع إرشاد الناس إلى مصالحهم الدنيوية ليحصل لهم التمكن من معرفة الله- تعالى- وعبادته الموصلتين إلى السعادة الأخروية، ومراعاة ذلك فضل من الله- عز وجل- ورحمة رحم بها عباده ... » «١» .
وقوله ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أى: من بعد تلك السنين السبع المذكورات التي تزرعونها على عادتكم المستمرة في الزراعة.
سَبْعٌ شِدادٌ أى: سبع سنين صعاب على الناس، لما فيهن من الجدب والقحط، يأكلن ما قدمتم لهن، أى: يأكل أهل تلك السنين الشداد، كل ما ادخروه في السنوات السبع المتقدمة من حبوب في سنابلها.
وأسند الأكل إلى السنين على سبيل المجاز العقلي، من إسناد الشيء إلى زمانه.
وقوله إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ أى: أن تلك السنين المجدبة ستأكلون فيها ما ادخرتموه في السنوات السابقة، إلا شيئا قليلا منه يبقى محرزا، لتنتفعوا به في زراعتكم لأرضكم.
فقوله تُحْصِنُونَ من الإحصان بمعنى الإحراز والادخار، يقال أحصن فلان الشيء، إذا جعله في الحصن، وهو الموضع الحصين الذي لا يوصل إليه إلا بصعوبة.
وحاصل تفسير يوسف- عليه السلام- لتلك الرؤيا: أنه فسر البقرات السمان والسنبلات الخضر، بالسنين السبع المخصبة. وفسر البقرات العجاف والسنبلات اليابسات بالسنين السبع المجدبة التي تأتى في أعقاب السنين المخصبة وفسر ابتلاع البقرات العجاف للبقرات السمان، بأكلهم ما جمع في السنين المخصبة، في السنين المجدبة.
ولقد كان هذا التأويل لرؤيا الملك تأويلا صحيحا صادقا من يوسف- عليه السلام- بسببه أنقذ الله- تعالى- مصر من مجاعة سبع سنين.