للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفسهن بأنه لم يتعلق بشيء مما قذفنه به لأنهن خصومه، وإذا اعترف الخصم بأن صاحبه على الحق وهو على الباطل لم يبق لأحد مقال» «١» - إذ الفضل ما شهدت به الأعداء-.

ثم واصلت امرأة العزيز حديثها فقالت: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ.

أى: ذلك الذي قلته واعترفت به على نفسي من أنى راودته عن نفسه، إنما قلته ليعلم يوسف أنى لم أخنه في غيبته، ولم أقل فيه شيئا يسوؤه بعد أن فارقنى، ولبث بعيدا عنى في السجن بضع سنين، وإنما أنا أقرر أمام الملك وحاشيته بأنه من الصادقين ...

وإنما قررت ذلك لأن الله- تعالى- لا يهدى كيد الخائنين، أى: لا ينفذ كيدهم ولا يسدده، بل يفضحه ويزهقه ولو بعد حين من الزمان.

لذا فأنا التزمت الأمانة في الحديث عنه، وابتعدت عن الخيانة، لأن الله- تعالى- لا يرضاها ولا يقبلها.

فأنت ترى أن هذه المرأة التي شهدت على نفسها شهادة لا تبالي بما يترتب عليها بشأنها، قد عللت شهادتها هذه بعلتين:

إحداهما: كراهتها أن تخونه في غيبته بعد أن فقد الدفاع عن نفسه وهو في السجن..

وثانيتهما: علمها بأن الله- تعالى- لا يهدى كيد الخائنين ولا يسدده، وإنما يبطله ويزهقه..

ثم أضافت إلى كل ذلك قولها: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي، إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ.

أى: ومع أنى أعترف بأنه من الصادقين، وأعترف بأنى لم أخنه بالغيب، إلا أنى مع كل ذلك لا أبرئ نفسي ولا أنزهها عن الميل إلى الهوى، وعن محاولة وصفه بما هو برىء منه، فأنا التي قلت لزوجي في حالة دهشتى وانفعالى الشديد، ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ وما حملني على هذا القول إلا هواى وشهواتى، ونفسي إن النفس البشرية لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء إلا نفسا رحمها الله وعصمها من الزلل والانحراف، كنفس يوسف- عليه السلام- وجملة إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ تعليل لما قبلها، أى: إن ربي كثير الغفران وكثير الرحمة، لمن يشاء أن يغفر له ويرحمه من عباده.


(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>