للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي نراه أن الآية الكريمة قد نبهتنا إلى أن للشهداء مزية تجعلهم مفضلين عمن سواهم من كثير من الناس، وهي أنهم في حياة سارة، ونعيم مقيم عند ربهم، وهذه الحياة الممتازة تسمو بهم عن أن يقال فيهم كما يقال في غيرهم إنهم أموات وإن كان المعنى اللغوي للموت حاصلا لهم، ونحن نؤمن بهذه الحياة السارة لهم عند ربهم ونعتقد صحتها كما ذكرها الله- تعالى- إلا أننا نفوض كيفيتها وكنهها إليه- سبحانه- إذ لا يمكن إدراكها إلا من طريق الوحى، كما قال- تعالى-: وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ أى: لا تشعرون بحياتهم بعد مفارقتهم لهذه الدنيا، لأنها حياة من نوع معين لا يعلمها إلا علام الغيوب.

وبعد أن طلب- سبحانه- من عباده أن يستعينوا بالصبر والصلاة على احتمال المكاره، أردف ذلك بذكر بعض المواطن التي لا يمر فيها الإنسان بسلامة إلا إذا اعتصم بعرى الصبر فقال- تعالى- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ.

وقوله: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ من البلو والبلاء وهو الامتحان والاختبار، وهو جواب لقسم محذوف والتقدير: والله لنبلونكم.

وقوله: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ عطف على قوله: وَاسْتَعِينُوا إلخ، عطف المضمون على المضمون، والجامع أن مضمون الأول طلب الصبر، ومضمون الثانية بيان مواطنه، والمراد:

ولنعاملنكم معاملة المختبر والمبتلى لأحوالكم:

والتنوين في قوله: بِشَيْءٍ للتقليل. أى بقليل من كل واحد من هذه البلايا والمحن وهي الخوف وما عطف عليه.

وإنما قلل- كما قال الزمخشري- ليؤذن أن كل بلاء وإن جل ففوقه ما يقل إليه وليخفف عليهم ويريهم أن رحمته معهم في كل حال لا تزايلهم، وأنه- سبحانه- يبتليهم من هذه المصائب بقدر ما يمتاز به الصابرون من غير الصابرين.

والْخَوْفِ غم يلحق النفس لتوقع مكروه، ومن أشد ما تضطرب له النفوس من الخوف، خشيتها أن تقع تحت يد عدو لا هم له إلا إيذاؤها بما تكره.

والْجُوعِ ضد الشبع، والمراد منه القحط، وتعذر تحصيل القوت، والحاجة الملحة إلى طعام.

والْأَمْوالِ جمع مال، وهو ما يملك مما له قيمة، وجرى للعرب عرف باستعماله في النعم خاصة- وهي الإبل والبقر والغنم-.

<<  <  ج: ص:  >  >>