وقال الفراء: إن «لا» مضمرة. أى لا تفتأ ... ومنه قول الشاعر:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... ولو قطعوا رأسى لديك وأوصالى
أى:«لا أبرح قاعدا ... »«١» .
و «حرضا» مصدر حرض. كتعب- والحرض: الإشراف على الهلاك من شدة الحزن أو المرض أو غيرهما.
والمعنى: قال أبناء يعقوب له بعد أن سمعوه وهو يتحسر على فراق يوسف له: تالله- يا أبانا- ما تزال تذكر يوسف بهذا الحنين الجارف، والحزن المضنى، «حتى تكون حرضا» . أى: مشرفا على الموت لطول مرضك.
«أو تكون من الهالكين» المفارقين لهذه الدنيا.
وهنا يرد عليهم الأب الذي يشعر بغير ما يشعرون به من ألم وأمل ... الَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ.
و «البث» ما ينزل بالإنسان من مصائب يعظم حزن صاحبها بسببها. حتى أنه لا يستطيع إخفاء هذا الحزن، وأصله التفريق وإثارة الشيء ومنه قولهم: بثت الريح التراب إذا فرقته.
قالوا: والإنسان إذا قدر على كتم ما نزل به من المصائب كان حزنا، وإذا لم يقدر على كتمه كان بثا ...
والمعنى: قال يعقوب لأولاده الذين لاموه على شدة حزنه على يوسف: إنما أشكو، «بثي» أى: همي الذي انطوى عليه صدري «إلى الله» - تعالى- وحده، لا إلى غيره، فهو العليم بحالي، وهو القادر على تفريج كربى، فاتركوني وشأنى مع ربي وخالقي. فإنى «أعلم من الله» أى: من لطفه وإحسانه وثوابه على الصبر على المصيبة «ما لا تعلمون» أنتم، وإنى لأرجو أن يرحمني وأن يلطف بي، وأن يجمع شملي بمن فارقنى من أولادى، فإن حسن ظني به- سبحانه- عظيم.
قال صاحب الظلال: «وفي هذه الكلمات- التي حكاها القرآن عن يعقوب- عليه السلام-، يتجلى الشعور بحقيقة الألوهية في هذا القلب الموصول، كما تتجلى هذه الحقيقة ذاتها بجلالها الغامر، ولألائها الباهر.