للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيمان، وعدم التفاتهم إلى الحق، بحال قوم في أعناقهم قيود لا يستطيعون معها التفاتا أو تحركا.

والأول أولى لأن حمل الكلام على الحقيقة واجب، ما دام لا يوجد مانع يمنع منه، وهنا لا مانع، بل صريح القرآن يشهد له.

وقوله: وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ أى: وأولئك الموصوفون بما ذكر، هم أصحاب النار التي لا ينفكون عنها. ولا يخرجون منها.

وكرر- سبحانه- اسم الإشارة، للتنبيه على أنهم أحرياء بما يرد بعده من عقوبات.

وجاء به للبعيد، للإشارة إلى بعد منزلتهم في الجحود والضلال.

ثم حكى- سبحانه- لونا آخر من طغيانهم واستهزائهم برسولهم صلى الله عليه وسلم فقال:

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ، وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ....

والمراد بالسيئة: الحالة السيئة كالعقوبات والمصائب التي تسوء من تنزل به.

والمراد بالحسنة: الحالة الحسنة كالعافية والسلامة.

والمثلات: جمع مثلة- بفتح الميم وضم الثاء كسمرة، وهي العقوبة الشديدة الفاضحة التي تنزل بالإنسان فتجعله مثالا لغيره في الزجر والردع.

والاستعجال: طلب حصول الشيء قبل حلول وقته.

أى أن هؤلاء المشركين بلغ بهم الحال في الطغيان، أنهم كانوا إذا هددهم الرسول.

صلى الله عليه وسلم بعقاب الله إذا ما استمروا في كفرهم، سخروا منه، وتهكموا به وقالوا له على سبيل الاستهزاء: ائتنا بما تعدنا به من عذاب إن كنت من الصادقين.

وشبيه بهذا قوله- تعالى-: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ «١» .

وقوله- تعالى- وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «٢» .

والجملة الكريمة تحكى لونا عجيبا من ألوان توغلهم في الجحود والضلال، حيث طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم تعجيل العقوبة التي توعدهم بها، بدل أن يطلبوا منه الدعاء لهم بالسلامة والأمان والخير والعافية.


(١) سورة العنكبوت الآيتان ٥٣، ٥٤.
(٢) سورة الأنفال الآية ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>