ومعنى قوله- سبحانه-: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أفلم يعلموا. وهي كما قال القاسم بن معن لغة هوازن. وقال الكلبي هي لغة حي من النخع، وأنشدوا على ذلك قول سحيم بن وئيل الرباحي:
أقول لهم بالشعب إذ يأسروننى ... ألم تيأسوا أنى ابن فارس زهدم
وقول رباح بن عدى:
ألم ييأس الأقوام أنى أنا ابنه ... وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
والظاهر أن استعمال اليأس في ذلك حقيقة.
وقيل مجاز لأنه متضمن للعلم فان الآيس عن الشيء عالم بأنه لا يكون ...
والفاء للعطف على مقدر. أى: أغفلوا عن كون الأمر جميعه لله- تعالى- فلم يعلموا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ... «١» .
ثم حذر- سبحانه- الكافرين من التمادي في كفرهم، وبشر المؤمنين بحسن العاقبة فقال- تعالى-: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ.
والقارعة: من القرع، وهو ضرب الشيء بشيء آخر بقوة وجمعها قوارع.
والمراد بها: الرزية والمصيبة والكارثة.
أى: ولا يزال الذين كفروا من أهل مكة وغيرهم تصيبهم بسبب ما صنعوه من الكفر والضلال «قارعة» أى مصيبة تفجؤهم وتزعجهم أو تحل تلك المصيبة في مكان قريب من دارهم، فيتطاير شرها إليهم، حتى يأتى وعد الله بهلاكهم وهزيمتهم ونصر المؤمنين عليهم، إن الله- تعالى- لا يخلف الميعاد، أى: موعوده لرسله ولعباده المؤمنين.
وأبهم- سبحانه- ما يصيب الكافرين من قوارع، لتهويله وبيان شدته.
والتعبير بقوله وَلا يَزالُ يشير إلى أن ما أصابهم من قوارع كان موجودا قبل نزول هذه الآية، واستمرت إصابته لهم بعد نزولها، لأن الفعل لا يَزالُ يدل على الإخبار باستمرار شيء واقع.
ولعل هذه الآية الكريمة كان نزولها في خلال سنى الجدب التي حلت بقريش والتي أشار
(١) تفسير الآلوسى ج ١٣ ص ١٤١.