للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ «١» .

ثم أقام- سبحانه- الأدلة الساطعة على وحدانيته وعلى وجوب إخلاص العبادة له- تعالى- فقال: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ....

والمراد بالقيام هنا: الحفظ والهيمنة على جميع شئون الخلق والاستفهام للإنكار، والخبر محذوف والتقدير: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ أى: رقيب ومهيمن عَلى كُلِّ نَفْسٍ كائنة ما كانت، عالم بما تعمله من خير أو شر فمجازيها به كمن ليس كذلك؟

وحذف الخبر هنا وهو قولنا- كمن ليس كذلك- لدلالة السياق عليه، كما في قوله- تعالى-: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ أى: كمن قسا قلبه.

وحسن حذف الخبر هنا لأنه مقابل للمبتدأ الذي هو من ولأن قوله- تعالى-:

وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ يدل عليه.

والمقصود من الآية الكريمة إنكار المماثلة بين الخالق العظيم، العليم بأحوال النفوس ...

وبين تلك الأصنام التي أشركوها مع الله- تعالى- في العبادة والتي هي لا تسمع ولا تبصر، ولا تملك لنفسها- فضلا عن غيرها- نفعا ولا ضرا.

وجملة وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ حالية، والتقدير:

أفمن هذه صفاته، وهو الله- تعالى- كمن ليس كذلك، والحال أن هؤلاء الأغبياء قد جعلوا له شركاء في العبادة وغيرها.

فالمقصود من هذه الجملة الكريمة، زيادة توبيخهم، وتسفيه أفكارهم وعقولهم.

وقوله- سبحانه- قُلْ سَمُّوهُمْ تبكيت لهم إثر تبكيت.

أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- سموهم شركاء إن شئتم، فإن هذه التسمية لا وجود لها في الحقيقة والواقع، ولا تخرجهم عن كونهم لا يملكون لأنفسهم- فضلا عن غيرهم- نفعا ولا ضرا، لأن الله- تعالى- واحد لا شريك له.

وهذه التسمية إنما هي من عند أنفسكم ما أنزل الله بها من سلطان، كما قال تعالى: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ «٢» .


(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٨٣.
(٢) سورة النجم الآية ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>