للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سادسها: التدرج في كل من الإضرابات على ألطف وجه، وحيث كانت الآية مشتملة على هذه الأساليب البديعة مع اختصارها، كان الاحتجاج المذكور مناديا على نفسه بالإعجاز وأنه ليس كلام البشر» «١» .

ثم بين- سبحانه- سوء مصير هؤلاء الكافرين فقال: لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

أى: لهم عذاب شديد في الحياة الدنيا، ينزله الله- تعالى- بهم تارة عن طريق القوارع والمصائب التي يرسلها عليهم، وتارة عن طريق الهزائم التي يوقعها بهم المؤمنون، هذا في الدنيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ

من عذاب الدنيا لشدته ودوامه وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ

- تعالى- ومن عذاب الآخرة مِنْ واقٍ

أى: من حائل يحول بينهم وبين عذابه- سبحانه-.

ثم أعقب ذلك ببيان حسن عاقبة المؤمنين فقال: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها.....

والمراد بالمثل هنا: الصفة العجيبة. أى: صفة الجنة التي وعد الله إياها من اتقاه وصان نفسه عن كل ما لا يرضيه، أنها تجرى من تحت أشجارها ومساكنها الأنهار، وأنها أكلها دائم، أى: ما يؤكل فيها لا انقطاع لأنواعه «وظلها» كذلك دائم.

قال بعضهم: وجملة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خبر عن «مثل» باعتبار أنها من أحوال المضاف إليه، فهي من أحوال المضاف لشدة الملابسة بين المتضايفين، كما يقال: صفة زيد أسمر. وجملة «أكلها دائم» خبر ثان «٢» .

واسم الإشارة في قوله: «تلك عقبى الذين اتقوا» يعود على الجنة التي أعدها الله- تعالى- للمتقين.

أى: تلك الجنة المنعوتة بما ذكر هي مآل المتقين الذين استقاموا على الطريق الحق، وهي منتهى أمرهم.

أما مآل الكافرين ومنتهى أمرهم فهي النار، وبئس القرار.

هذا، وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية، جملة من الأحاديث في صفة الجنة فقال: وفي الصحيحين من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف، وفيه: قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا، ثم رأيناك تكعكعت- أى توقفت وأحجمت؟ فقال:


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥٠٧.
(٢) تفسير التحرير والتنوير ج ١٣ ص ١٥٥ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور.

<<  <  ج: ص:  >  >>