للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدون واو العطف. لأن الجملة الثانية بيان وتفسير للجملة الأولى. فيكون المراد من سوء العذاب في سورة البقرة تذبيح الأبناء واستحياء النساء.

واسم الإشارة في قوله: وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ يعود إلى المذكور من النعم والنقم، والبلاء: الامتحان والاختبار، ويكون في الخير والشر. قال- تعالى- وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً.

أى: وفي ذلكم العذاب وفي النجاة منه امتحان عظيم لكم من ربكم بالسراء لتشكروا وبالضراء لتصبروا، ولتقلعوا عن السيئات التي تؤدى بكم إلى الشقاء والهوان.

ثم حكى- سبحانه- أن موسى- عليه السلام- قد أرشد قومه إلى سنة من سنن الله التي لا تتخلف فقال: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ...

وقوله: «تأذن» بمعنى آذن أى أعلم، يقال: آذن الأمر وبالأمر أى: أعلمه، إلا أن صيغة التفعل تفيد المبالغة في الإعلام، فيكون معنى «تأذن» : أعلم إعلاما واضحا بليغا لا التباس معه ولا شبهة.

واللام في قوله: لَئِنْ شَكَرْتُمْ موطئة للقسم. وحقيقة الشكر: الاعتراف بنعم الله- تعالى- واستعمالها في مواضعها التي أرشدت الشريعة إليها.

وقوله: «لأزيدنكم» ساد مسد جوابي القسم والشرط.

والمراد بالكفر في قوله: «ولئن كفرتم» كفر النعمة وجحودها، وعدم نسبتها إلى واهبها الحقيقي وهو الله- تعالى- كما قال قارون إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي وعدم استعمالها فيما خلقت له، إلى غير ذلك من وجوه الانحراف بها عن الحق.

وجملة: إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ دليل على الجواب المحذوف لقوله وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إذ التقدير: ولئن كفرتم لأعذبنكم، إن عذابي لشديد.

قال الجمل: «وإنما حذف هنا وصرح به في جانب الوعد، لأن عادة أكرم الأكرمين أن يصرح بالوعد ويعرض بالوعيد» «١» .

والمعنى: واذكر أيها المخاطب وقت أن قال موسى لقومه: يا قوم إن ربكم قد أعلمكم إعلاما واضحا بليغا مؤكدا بأنكم إن شكرتموه على نعمه، زادكم من عطائه وخيره ومننه، وإن


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>