للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي هو عذاب الله؟ ويجوز أن يكونا للتبعيض معا بمعنى: هل أنتم مغنون عنا بعض شيء، هو بعض عذاب الله؟ أى: بعض بعض عذاب الله» «١» .

ثم حكى- سبحانه- رد المستكبرين على المستضعفين فقال: قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ ...

أى: قال المستكبرون- بضيق وتحسر- في ردهم على المستضعفين: لو هدانا الله- تعالى- إلى الإيمان الموصل إلى النجاة من هذا العذاب الأليم «لهديناكم» إليه، ولكن ضللنا عنه وأضللناكم معنا، واخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا، ولو كنا نستطيع النفع لنفعنا أنفسنا.

ثم أضافوا إلى ذلك قولهم: سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ.

والجزع: حزن يصرف الإنسان عما هو بصدده لشدة اضطرابه وذهوله.

يقال: جزع فلان يجزع جزعا وجزوعا، إذا ضعف عن حمل ما نزل به ولم يجد صبرا.

والمحيص: المهرب والمنجى من العذاب. يقال: حاص فلان عن الشيء يحيص حيصا ومحيصا، إذا عدل عنه على جهة الهرب والفرار.

أى: مستو عندنا الجزع مما نحن فيه من عذاب، والصبر على ذلك، وليس لنا من مهرب أو منجى من هذا المصير الأليم.

فالآية الكريمة تحكى أقوال الضعفاء يوم القيامة، وهي أقوال يبدو فيها طابع الذلة والمهانة كما هو شأنهم في الدنيا، كما تحكى رد المستكبرين عليهم، وهو رد يبدو فيه التبرم والتفجع والتأنيب من طرف خفى لهؤلاء الضعفاء، والتسليم بالواقع الأليم الذي لا محيص لهم عنه.

قال الإمام ابن كثير: «قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالوا، فإنما أدرك أهل الجنة الجنة ببكائهم وتضرعهم إلى الله- تعالى-، تعالوا نبك ونتضرع إلى الله، فبكوا وتضرعوا، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: تعالوا، فإنما أدرك أهل الجنة الجنة بالصبر، تعالوا حتى نصبر، فصبروا صبرا لم ير مثله، فلم ينفعهم ذلك. فعند ذلك قالوا: سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ «٢» .

ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك ما يقوله الشيطان لأتباعه يوم القيامة، فقال- تعالى-:


(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٧٣.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>