للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و «وسخر لكم الليل والنهار» بأن جعلهما متعاقبين، يأتى أحدهما في أعقاب الآخر، فتنتفعون بكل منهما بما يصلح أحوالكم.

فالليل تنتفعون به في راحتكم ومنامكم ... والنهار تنتفعون به في معاشكم وطلب رزقكم قال- تعالى- وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً، وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً.

تم ختم- سبحانه- هذه النعم بقوله وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ....

أى: وأعطاكم- فضلا عما تقدم من النعم- بعضا من جميع ما سألتموه إياه من نعم، على حسب ما تقتضيه إرادته وحكمته التي لا تعلمونها كما قال- تعالى- وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ، إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ «١» .

قال الجمل ما ملخصه «قوله وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ أى: كل نوع أو كل صنف سألتموه أى: شأنكم أن تسألوه لاحتياجكم إليه، وإن لم تسألوه بالفعل.

وفي «من» قولان: أحدهما أنها زائدة في المفعول الثاني، أى: آتاكم كل ما سألتموه.

والثاني أن تكون تبعيضية أى: وآتاكم بعض جميع ما سألتموه وعلى هذا فالمفعول محذوف تقديره: وآتاكم شيئا من كل ما سألتموه، وهو رأى سيبويه..» «٢» .

وجملة «وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها» مؤكدة لمضمون ما قبلها.

أى: وإن تحاولوا عد نعم الله عليكم، وتحاولوا تحديد هذا العدد، لن تستطيعوا ذلك لكثرة هذه النعم، وخفاء بعضه عليكم.

والإحصاء: ضبط العدد وتحديده، مأخوذ من الحصا وهو صغار الحجارة لأن العرب كانوا يعدون الأعداد الكثيرة بالحصى تجنبا للخطأ.

قال ابن كثير: «يخبر- سبحانه- عن عجز العباد من تعداد نعمه فضلا عن القيام بشكرها، كما قال طلق بن حبيب- رحمه الله-: إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد، وإن نعم الله أكثر من يحصيها العباد ولكن أصبحوا توابين وأمسوا توابين.

وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لك الحمد غير مكفى- أى لم يكفه غيره بل هو- سبحانه- يكفى غيره- ولا مودع- أى متروك حمده-،


(١) سورة الشورى آية ٢٧.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>