أى: يا ربنا إنى أسكنتهم، هذا المكان ليتفرغوا لإقامة الصلاة في جوار بيتك، وليعمروه بذكرك وطاعتك.
فاللام في قوله «ليقيموا» للتعليل وهي متعلقة بأسكنت.
وخصت الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات، لمزيد فضلها، ولكمال العناية بشأنها.
قال القرطبي: «تضمنت هذه الآية أن الصلاة بمكة أفضل من الصلاة بغيرها، لأن معنى «ربنا ليقيموا الصلاة» أى: أسكنتهم عند بيتك المحرم ليقيموا الصلاة فيه.
وقد اختلف العلماء هل الصلاة بمكة أفضل أو في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؟
فذهب عامة أهل الأثر إلى أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بمائة صلاة، واحتجوا بحديث عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدى هذا بمائة صلاة» .
وقد روى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ابن الزبير» «١» .
وقوله فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ دعاء جامع لمطالب الدين والدنيا، لأن الناس يذهبون إلى البيت الحرام للتقرب إلى الله- تعالى-، وليتبادلوا المنافع عن طريق التجارة وغيرها مع السكان المجاورين لهذا البيت المعمور.
والأفئدة: جمع فؤاد، والمراد بها القلوب والنفوس.
والمراد بالناس في قوله «من الناس» المؤمنون منهم، لأنهم هم الذين يذهبون إلى البيت الحرام، ليشهدوا منافع لهم، وليتقربوا إليه- سبحانه- بحج بيته.
وتهوى إليهم: أى تسرع إليهم، يقال: هوى- بفتح الواو- يهوى- بكسرها- إذا أسرع في السير، ومنه قولهم: هوت الناقة تهوى هويا، إذا عدت عدوا شديدا.
والأصل فيه أن يتعدى باللام، وعدى هنا بإلى لتضمنه معنى تميل وتسرع.
أى: يا ربنا إنى تركت بعض ذريتي في جوار بيتك، فأسألك يا إلهى أن تجعل نفوس الناس وقلوبهم تحن إلى هذا المكان، وتطير فرحا إليه، وارزق من تركتهم وديعة في جوار بيتك من
(١) راجع تفسير القرطبي ج ٩ ص ٢٧١.