وقوله إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ استئناف وقع تعليلا للنهى السابق.
وقوله «تشخص» من الشخوص بمعنى رفع البصر بدون تحرك يقال شخص بصر فلان- من باب خضع- فهو شاخص، إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف من شدة الخوف والفزع.
والمعنى: ولا تحسبن- أيها الرسول الكريم- أن الله تعالى- تارك عقاب هؤلاء الظالمين، الذين كذبوك في دعوتك، كلا لن يترك الله- تعالى- عقابهم، وإنما يؤخره ليوم هائل شديد، هو يوم القيامة الذي ترتفع فيه أبصار أهل الموقف، فلا تطرف أجفانهم من هول ما يرونه.
ثم بين- سبحانه- بعض أحوال هؤلاء الظالمين في هذا اليوم العظيم فقال- تعالى-:
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ، لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ، وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ.
والإهطاع السير السريع. يقال: أهطع فلان في مشيه فهو يهطع إهطاعا إذا أسرع في سيره بذلة واضطراب.
و «مقنعي رؤوسهم» أى رافعيها، يقال: أهطع فلان رأسه، إذا نصبه ورفعه دون أن يلتفت يمينا أو شمالا. وقيل، إقناع الرءوس طأطأتها وانتكاسها.
الأفئدة: جمع فؤاد، والمراد بها القلوب.
والمعنى: أن هؤلاء الظالمين يخرجون من قبورهم في هذا اليوم مسرعين إلى الداعي بذلة واستكانة، كإسراع الأسير الخائف، رافعي رءوسهم إلى السماء مع إدامة النظر بأبصارهم إلى ما بين أيديهم من غير التفات إلى شيء.
«لا يرتد إليهم طرفهم» أى: لا تتحرك أجفان عيونهم، بل تبقى مفتوحة بدون حراك لهول ما يشاهدونه في هذا اليوم العصيب.
«وأفئدتهم هواء» أى: وقلوبهم فارغة خالية عن الفهم، بحيث لا تعى شيئا من شدة الفزع والدهشة، ومنه قولهم في شأن الأحمق والجبان قلبهما هواء، أى لا رأى فيه ولا قوة.
وأفرد هواء وإن كان خبرا عن جمع لأنه في معنى فارغة أو خالية.
قال- تعالى- وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً ... أى خاليا من كل شيء إلا من التفكير في شأن مصير ابنها موسى- عليه السلام-.
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف هؤلاء الظالمين في هاتين الآيتين بجملة من الصفات الدالة على فزعهم وحيرتهم.
وصفهم أولا بشخوص الأبصار، ووصفهم ثانيا بالإسراع إلى الداعي في ذلة وانكسار،