للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمخلف- وهو: وعده- على المفعول الأول- وهو رسله-؟

قلت: قدم الوعد ليعلم أنه- سبحانه- لا يخلف الوعد أصلا، كقوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ.

ثم قال «رسله» ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحدا، وليس من شأنه إخلاف المواعيد، فكيف يخلفه مع رسله الذين هم خيرته وصفوته من خلقه..» «١» .

ويرى صاحب الانتصاف أن تقدم المفعول الثاني هنا، إنما هو للإيذان بالعناية به، لأن الآية في سياق الإنذار والتهديد للظالمين بما توعدهم الله- تعالى- به على ألسنة رسله، فكان المهم في هذه الحال تقديم ذكر الوعيد على غيره «٢» .

وقوله- سبحانه- إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ تعليل للنهى عن الحسبان المذكور.

والعزيز: الغالب على كل شيء.

أى: إن الله- تعالى- غالب على كل شيء، وذو انتقام شديد من أعدائه لأنهم تحت قدرته، ومادام الأمر كذلك فإخلاف الوعد منتف في حقه- تعالى-.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك بعض العلامات التي تدل على قرب قيام الساعة فقال- تعالى-: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.

والظرف «يوم» متعلق بمحذوف تقديره اذكر.

وقوله «تبدل» من التبديل بمعنى التغيير، وهذا التغيير والتبديل لهما قد يكون في ذواتهما كما في قوله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ.. «٣» .

وقد يكون في صفاتهما كقولك «بدلت الحلقة خاتما» وقد يكون فيهما معا وقد ذكر الإمام ابن كثير جملة من الأحاديث عند تفسيره لهذه الآية الكريمة فقال: «وقال الإمام أحمد، حدثنا محمد بن عدى، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة أنها قالت: أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ ... قالت: قلت:

أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: على الصراط.

وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: «لقد سألتنى عن شيء ما سألنى عنه أحد من أمتى،


(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٨٤.
(٢) حاشية الانتصاف على الكشاف ج ٢ ص ٣٨٤.
(٣) سورة النساء الآية ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>