في عقابهم، بل يضاف إليه أن ملابسهم من قطران، ليجتمع لهم لذعته، وقبح لونه، ونتن ريحه، وسرعة اشتعاله، وفوق كل ذلك فإن وجوههم تعلوها وتحيط بها النار التي تستعر بأجسادهم المسربلة بالقطران.
وخص- سبحانه الوجوه بغشيان النار لها، لكونها أعز موضع في البدن وأشرفه.
وقوله- سبحانه- لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ ... متعلق بمحذوف، والتقدير:
فعل ما فعل- سبحانه- من إثابة المؤمنين، ومعاقبة المجرمين، ليجازى كل نفس بما تستحقه من خير أو شر، دون أن يظلم ربك أحدا.
وقوله إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ أى: إنه- سبحانه- سريع المحاسبة لعباده، لأنه لا يشغله شأن عن شأن، بل جميع الخلق بالنسبة لقدرته كالنفس الواحدة.
قال- تعالى- ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ.. «١» .
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بقوله- تعالى- هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ، وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ.
واسم الإشارة «هذا» يعود إلى ما أنزله الله- تعالى- من قرآن في هذه السورة وفي غيرها. و «بلاغ» مصدر بمعنى التبليغ.
والإنذار: التخويف من سوء عاقبة ارتكاب الشرور والآثام.
والألباب: جمع لب وهو الخالص من كل شيء، والمراد بها العقول.
أى: هذا القرآن الكريم الذي أنزلناه عليك يا محمد، فيه التبليغ الكافي لهداية الناس، وفيه ما يخوفهم من سوء عاقبة الكفر والفسوق والعصيان، وفيه ما يجعلهم يعلمون عن طريق توجيهاته وهداياته ودلائله، أن الله- تعالى- واحد لا شريك له، وفيه ما يجعل أصحاب العقول السليمة يتعظون ويعتبرون، فيترتب على ذلك سعادتهم في الدنيا والآخرة.
وخص- سبحانه- بالتذكر أولى الألباب، لأنهم هم الذين ينتفعون بهداية القرآن الكريم، أما غيرهم فهم كالأنعام بل هم أضل.
وقد رتب- سبحانه- في هذه الآية الكريمة، وسائل الدعوة إلى الحق ترتيبا عقليا حكيما، فبدأ بالصفة العامة وهي التبليغ، ثم ثنى بما يعقب ذلك من إنذار وتخويف، ثم ثلث بما ينشأ عنهما من العلم بوحدانية الله- تعالى-، ثم ختم بالثناء على أصحاب العقول السليمة
(١) سورة لقمان الآية ٢٨. [.....]