وقال الآلوسى: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير- رضى الله عنهم- أنها نزلت بمكة. وروى ذلك عن قتادة ومجاهد.
وفي مجمع البيان عن الحسن أنها مكية إلا قوله- تعالى- وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وقوله- تعالى- كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ. الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ «١» .
والحق أن السورة كلها مكية، وسنبين- عند تفسيرنا للآيات التي قيل بأنها مدنية- أن هذا القول ليس له دليل يعتمد عليه.
٤- (ا) وعند ما نقرأ هذه السورة الكريمة بتدبر وتأمل. نراها في مطلعها تشير إلى سمو مكانة القرآن الكريم، وإلى سوء عاقبة الكافرين الذين عموا وصموا عن دعوة الحق..
قال- تعالى- الر، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ. رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ. ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ. وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ. ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ.
(ب) ثم تخبرنا بعد ذلك بأن الله- تعالى- قد تكفل بحفظ كتابه، وصيانته من أى تحريف أو تبديل، وبأن المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم إنما يكذبونه عن عناد وجحود، لا عن نقص في الأدلة الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم.
قال- تعالى- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ. وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ. لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ. وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ.
(ج) ثم تسوق السورة الكريمة بعد ذلك ألوانا من الأدلة على وحدانية الله وقدرته، وعلى سابغ نعمه على عباده ...
قال- تعالى- وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ. وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ. إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ. وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ.
(د) ثم حكت السورة قصة خلق آدم- عليه السلام-، وتكليف الملائكة بالسجود له، وامتثالهم جميعا لأمر الله- سبحانه-، وامتناع إبليس وحده عن الطاعة، وصدور حكمه- سبحانه- بطرده من الجنة ...
(١) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ٢.