بهم الجهالة أنهم يخضعون لبعض المخلوقات خضوعهم لله بزعم أنها مشابهة ومماثلة ومناظرة له- سبحانه- في النفع والضر، ويحبون تعظيم تلك المخلوقات وطاعتها والتقرب إليها والانقياد لها حبا يشابه الحب اللازم عليهم نحو الله- تعالى- أو يشابه حب المؤمنين لله، ومِنَ في قوله: وَمِنَ النَّاسِ للتبعيض، والجار والمجرور خبر مقدم ومِنَ في قوله: مَنْ يَتَّخِذُ في محل رفع مبتدأ مؤخر، و «من دون الله، حال من ضمير يتخذ وأَنْداداً مفعول به ليتخذ.
قال الجمل: وجملة يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون في محل رفع صفة لمن في أحد وجهيها، والضمير المرفوع يعود عليها باعتبار المعنى بعد اعتبار اللفظ في يتخذ.
والثاني: أن تكون في محل نصب صفة لأندادا والضمير المنصوب يعود عليهم والمراد بهم الأصنام، وإنما جمعوا جمع العقلاء لمعاملتهم معاملة العقلاء. أو أن يكون المراد بهم من عبد من دون الله عقلاء وغيرهم ثم غلب العقلاء على غيرهم.
الثالث: أن تكون في محل نصب على الحال من الضمير في يتخذ، والضمير المرفوع عائد على ما عاد عليه الضمير في يتخذ وجمع حملا على المعنى» «١» .
ثم مدح- سبحانه- عباده المؤمنين فقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ أى: والذين آمنوا وأخلصوا لله العبادة أشد حبا له- سبحانه- من كل ما سواه، ومن حب المشركين للأنداد، ذلك لأن حب المؤمنين لله متولد عن أدلة يقينية، وعن علم تام، ببديع حكمته- سبحانه- وبالغ حجته، وسعة رحمته، وعدالة أحكامه، وعزة سلطانه، وتفرده بالكمال المطلق، والحب المتولد عن هذا الطريق يكون أشد من حب المشركين لمعبوداتهم لأن حب المشركين لمعبوداتهم متولد عن طريق الظنون والأوهام والتقاليد الباطلة.
والتصريح بالأشدية في قوله: أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ أبلغ من أن يقال أحب لله؟ إذ ليس المراد الزيادة في أصل الفعل- كما يقول الآلوسى- بل المراد الرسوخ والثبات. وقيل: عدل عن أحب إلى أشد حبا، لأن «أحب» شاع في الأشد محبوبية فعدل عنه احترازا عن اللبس.
ولقد ضرب المؤمنون الصادقون أروع الأمثال في حبهم لله- تعالى- لأنهم ضحوا في سبيله بأرواحهم وأموالهم وأبنائهم وأغلى شيء لديهم، ولأنهم لم يعرفوا عملا يرضيه إلا فعلوه، ولم يعرفوا عملا يغضبه إلا اجتنبوه.