للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعض العلماء: وهذا الإنظار رمز إلهى على أن ناموس الشر لا ينقضي من عالم الحياة الدنيا، وأن نظامها قائم على التصارع بين الخير والشر، وبين الأخيار والأشرار.

قال- تعالى-: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ... «١» .

ولذلك لم يستغن نظام العالم عن إقامة قوانين العدل والصلاح، وإيداعها إلى الكفاة لتنفيذها والذود عنها» «٢» .

ثم بين- سبحانه- الأسياب التي حملت إبليس على طلب تأخير موته إلى يوم القيامة، والتي من أهمها الانتقام من آدم وذريته فقال- تعالى-: قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ.

والباء في قوله بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ.. للسببية أو للقسم.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: الباء هاهنا بمعنى السبب، أى: بسبب كوني غاويا لأزينن لهم كقول القائل: أقسم فلان بمعصيته ليدخلن النار، وبطاعته ليدخلن الجنة.

أو للقسم وما مصدرية وجواب القسم لأزينن لهم. والمعنى أقسم بإغوائك لي لأزينن لهم.

ونظيره قوله- تعالى- قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ «٣» .

وقوله أَغْوَيْتَنِي من الإغواء، وهو خلق الغي في القلوب. وأصل الغي الفساد، ومنه غوى الفصيل- كرضى- إذا بشم من اللبن ففسدت معدته. أو منع من الرضاع فهزل وكاد يهلك، ثم استعمل في الضلال. يقال: غوى فلان يغوى غيا وغواية فهو غاو إذا ضل عن الطريق المستقيم. وأغواه غيره وغواه: أضله.

وقوله لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ من التزيين بمعنى التحسين والتجميل، وهو تصيير الشيء زينا، أى: حسنا حتى ترغب النفوس فيه وتقبل عليه.

والضمير في لَهُمْ يعود على ذرية آدم، وهو مفهوم من السياق وإن لم يجر لهم ذكر، وقد جاء ذلك صريحا في قوله- تعالى- في آية أخرى: قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا «٤» .

وحذف مفعول لَأُزَيِّنَنَّ لدلالة المقام عليه.


(١) سورة الأنبياء الآية ١٨.
(٢) تفسير التحرير والتنوير ج ١٤ ص ٤٩. [.....]
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ١٩ ص ١٨٥.
(٤) سورة الأسراء الآية ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>