للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ.. أى: بجزء من الليل. والمراد به الجزء الأخير منه.

أى: قال الملائكة للوط- عليه السلام- بعد أن أزالوا خوفه منه: يا لوط إنا نأمرك- بإذن الله تعالى- أن تخرج من هذه المدينة التي تسكنها مع قومك وأن يخرج معك أتباعك المؤمنون، وليكن خروجكم في الجزء الأخير من الليل.

وقوله وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ أى: وكن وراءهم لتطلع عليهم وعلى أحوالهم.

قال الإمام ابن كثير: يذكر الله- تعالى- عن الملائكة أنهم أمروا لوطا أن يسرى بأهله بعد مضى جانب من الليل، وأن يكون لوط- عليه السلام- يمشى وراءهم ليكون أحفظ لهم.

وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى في الغزاة يزجى الضعيف، ويحمل المنقطع «١» .

وقوله وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أى: ولا يلتفت منكم أحد أيها المؤمنون- خلفه، حتى لا يرى العذاب المروع النازل بالمجرمين.

وإنما أمرهم- سبحانه- بعدم الالتفات إلى الخلف، لأن من عادة التارك لوطنه، أن يلتفت إليه عند مغادرته، كأنه يودعه.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت ما معنى أمره باتباع أدبارهم ونهيهم عن الالتفات؟

قلت: قد بعث الله الهلاك على قوم لوط، ونجاه وأهله إجابة لدعوته عليهم وخرج مهاجرا فلم يكن له بد من الاجتهاد في شكر الله، وإدامة ذكره وتفريغ باله لذلك، فأمر بأن يقدّمهم لئلا يشتغل بمن خلفه قلبه، وليكون مطلعا عليهم وعلى أحوالهم، فلا تفرط منهم التفاتة احتشاما منه ولا غيرها من الهفوات في تلك الحال المهولة المحذورة، ولئلا يتخلف منهم أحد لغرض له فيصيبه العذاب، وليكون مسيره مسير الهارب الذي يقدم سربه ويفوت به. ونهوا عن الالتفات لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقوا له، وليوطنوا نفوسهم على المهاجرة، ويمضوا قدما غير ملتفتين إلى ما وراءهم، كالذي يتحسر على مفارقة وطنه ...

أو جعل النهى عن الالتفات، كناية عن مواصلة السير، وترك التواني والتوقف، لأن من يتلفت لا بد له في ذلك من أدنى وقفة» «٢» .


(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٥٦.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>