للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن لا خير فيهم، وأما شيوخ قومه وخيارهم فمفارقون له، فيرجع الوافد. فذلك قوله- تعالى- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ، قالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.

فإن كان الوافد ممن عزم الله له الرشاد، فقالوا له مثل ذلك قال: بئس الوافد لقومي أنا، إن كنت جئت حتى إذا بلغت مسيرة يوم- من مكة- رجعت قبل أن ألقى هذا الرجل، وأنظر ما يقول، وآتى قومي ببيان أمره. فيدخل مكة، فيلقى المؤمنين فيسألهم: ماذا يقول محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: خيرا..» «١» .

وعبر- سبحانه- بالفعل «قيل» المبنى للمجهول، للإشارة إلى أن هذا القول الذي تفوه به عتاة الكافرين، كانوا يقولونه لكل من يسألهم عن القرآن الكريم، لكي يصدوه عن الدخول في الإسلام. وجملة «ماذا أنزل ربكم» نائب فاعل لقيل.

وقولهم- كما حكى القرآن عنهم- «أساطير الأولين» خبر لمبتدأ محذوف.

أى: قالوا هو أساطير الأولين أو المسئول عنه: أساطير الأولين.

ولقد حكى القرآن قولهم الباطل هذا، ورد عليه بما يدحضه في آيات كثيرة، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها، فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً «٢» .

ثم بين- سبحانه- عاقبة كفرهم، ونطقهم بالباطل، فقال- تعالى-: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ....

واللام في قوله- «ليحملوا» هي التي تسمى بلام العاقبة، وذلك لأنهم لما وصفوا القرآن بأنه أساطير الأولين، كانت عاقبتهم تلك العاقبة السيئة.

والأوزار جمع وزر- بكسر الواو وسكون الزاى- بمعنى الشيء الثقيل.

المراد بها الذنوب والآثام التي يثقل حملها على صاحبها يوم القيامة، كما قال- تعالى-:

وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ «٣» .

والمعنى: قالوا ذلك في القرآن الكريم، لتكون عاقبتهم أن يحملوا أوزارهم كاملة غير منقوصة يوم القيامة.


(١) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ١٣١. [.....]
(٢) سورة الفرقان. الآيتان ٥، ٦.
(٣) سورة العنكبوت. الآية ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>