للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجملة الكريمة بأداة الاستفتاح «ألا» للاهتمام بما تضمنه التحذير، حتى يقلعوا عن كفرهم، ويثوبوا إلى رشدهم، ويحترسوا عن الوقوع في الباطل من القول.

ثم سلى الله- تعالى- نبيه والمؤمنين، فبين لهم أن هؤلاء المستكبرين الذين قالوا في القرآن: إنه أساطير الأولين، سيحيق بهم مكرهم السيئ، كما حاق بالذين من قبلهم.

فقال- تعالى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ، فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ.

وقوله- سبحانه- «مكر» من المكر، وهو التدبير المحكم، أو صرف الغير عما يريده بحيلته، وهو مذموم إن تحرى به الماكر الشر والباطل، ومحمود إن تحرى به الخير والحق.

والمراد به هنا النوع الأول.

والمراد بالذين من قبلهم: الكفار الذين كانوا قبل كفار مكة، كقوم نوح وهود وصالح.

وقوله: «فأتى الله بنيانهم..» أى: أهلكهم، كما في قوله- تعالى- ... فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا.. «١» .

ويقال: أتى فلان من مأمنه أى: نزل به الهلاك من جهة أمنه. وأتى عليه الدهر. أى:

أهلكه وأفناه. ومنه الأتوّ. وهو الموت والبلاء.

يقال: أتى على فلان أتوّ، أى موت أو بلاء يصيبه.

والقواعد: جمع قاعدة. وهي أساس البناء، وبها يكون ثباته واستقراره.

والمعنى: لا تهتم- أيها الرسول الكريم- بما يقوله المستكبرون من قومك في شأن القرآن الكريم لكي يصرفوا الناس عن الدخول في الإسلام، فقد مكر الذين من قبلهم بأنبيائهم، فكانت عاقبة مكرهم أن أتى الله بنيانهم من القواعد، بأن اجتث هذا البنيان من أصله واقتلعه من أساسه «فخر عليهم السقف من فوقهم» أى: فسقط عليهم سقف بنيانهم فأهلكهم «وأتاهم العذاب» المبير المدمر «من حيث لا يشعرون» ولا يحتسبون بأنه سيأتيهم من هذه الجهة، بل كانوا يتوقعون أن ما شيدوه سيحميهم من المهالك.

فالآية الكريمة تصور بأسلوب بديع معجز، كيف أن هؤلاء الماكرين، قد حصنوا أنفسهم بالبناء المحكم المتين، ليتقوا ما يؤذيهم، إلا أن جميع هذه التحصينات قد هوت وتساقطت على


(١) سورة الحشر. الآية ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>