للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك ما يدل على كمال قدرته، ونفاذ إرادته، فقال- تعالى-: وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَلَهُ الدِّينُ واصِباً ...

والمراد بالدين هنا: الطاعة والخضوع بامتثال أمره واجتناب نهيه، وقد أتى الدين بمعنى الطاعة في كثير من كلام العرب، ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم في معلقته:

وأياما لنا غرا كراما ... عصينا الملك فيها أن ندينا

أى: عصيناه وامتنعنا عن طاعته وعن الخضوع له.

قوله «واصبا» من الوصوب بمعنى الدوام والثبات، يقال: وصب الشيء يصب- بكسر الصاد- وصوبا، إذا دام وثبت. ومنه قوله- تعالى- دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ «١» أى: دائم.

أى: ولله- تعالى- وحده ما في السموات وما في الأرض ملكا وخلقا، لا شريك له في ذلك، ولا منازع له في أمره أو نهيه.. وله- أيضا- الطاعة الدائمة، والخضوع الباقي الثابت الذي لا يحول ولا يزول.

والآية الكريمة معطوفة على قوله «إنما هو إله واحد» .

والاستفهام في قوله «أفغير الله تتقون» للإنكار والتعجيب، والفاء للتعقيب، وهي معطوفة على محذوف، والتقدير، أفبعد أن علمتم أن الله- تعالى- له ما في السموات والأرض، وله الطاعة الدائمة.. تتقون غيره، أو ترهبون سواه؟

إن من يفعل ذلك لا يكون من جملة العقلاء، وإنما يكون من الضالين الجاهلين.

ثم بين- سبحانه- أن كل نعمة في هذا الكون، هو- سبحانه- مصدرها وموجدها، فقال: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ...

أى: وكل نعمة عندكم كعافية في أبدانكم، ونماء في مالكم، وكثرة في أولادكم، وصلاح في بالكم.. فهي من الله- تعالى- وحده.

فالمراد بالنعمة هنا النعم الكثيرة التي أنعم بها- سبحانه- على الناس، لأنه لم يقم دليل على أن المراد بها نعمة معينة، وعلماء البيان يعدون استعمال المفرد في معنى الجمع- اعتمادا على القرينة- من أبلغ الأساليب الكلامية، و «ما» موصولة مبتدأ، متضمنة معنى الشرط.

وقوله «فمن الله» خبرها.


(١) سورة الصافات الآية ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>