الحقيقي- جل وعلا-، وتقربوا بجانب كبير مما رزقهم به- سبحانه- إلى جمادات لا تغنى عنهم شيئا.
وما أجملته هذه الآية الكريمة عن جهالتهم، فصلته آيات أخرى منها قوله- تعالى- في سورة الأنعام: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً، فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ، وَهذا لِشُرَكائِنا، فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ، وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ «١» .
وقوله- سبحانه- تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ تهديد ووعيد لهم على سوء أفعالهم. أى: أقسم بذاتى لتسألن- أيها المشركون- سؤال توبيخ وتأنيب في الآخرة، عما كنتم تفترونه من أكاذيب في الدنيا، ولأعاقبنكم العقاب الذي تستحقونه بسبب افترائكم وكفركم. وصدرت الجملة الكريمة بالقسم، لتأكيد الوعيد، ولبيان أن العقاب أمر محقق بالنسبة لهم وجاءت الجملة الكريمة بأسلوب الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، لأن توبيخ الحاضر أشد من توبيخ الغائب.
وقوله- سبحانه-: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ بيان لرذيلة أخرى من رذائلهم الكثيرة، وهو معطوف على ما قبله.
وسؤالهم يوم القيامة عما اجترحوه- مع أنه سؤال تقريع وتأنيب- إلا أنه يدل على عدل الله- تعالى- مع هؤلاء الظالمين، لأنه لم يعاقبهم إلا بعد أن سألهم، وبعد أن ثبت إجرامهم وفي ذلك ما فيه من تعليم العباد أن يكونوا منصفين في أحكامهم.
وهذه الآية الكريمة تحكى ما كان شائعا في بعض قبائل العرب، من أنهم كانوا يزعمون أن الملائكة بنات الله. قالوا: وكانت قبيلة خزاعة، وقبيلة كنانة تقولان بذلك في الجاهلية.
أى: أن هؤلاء المشركين لم يكتفوا بجعل نصيب مما رزقناهم لآلهتهم، بل أضافوا إلى ذلك رذيلة أخرى، وهي أنهم زعموا أن الملائكة بنات الله- تعالى-، وأشركوها معه في العبادة.
قوله «سبحانه» مصدر نائب عن الفعل، وهو منصوب على المفعولية المطلقة، وهو في محل جملة معترضة، وقعت جوابا عن مقالتهم السيئة، التي حكاها الله- تعالى- عنهم، وهي «ويجعلون لله البنات» .
(١) راجع تفسيرنا لهذه الآية في كتابنا (تفسير سورة الأنعام) من ص ١٨٥ إلى ص ١٨٨.