ويدسه من الدس بمعنى الإخفاء للشيء في غيره. والمراد به. دفن الأنثى حية في التراب حتى تموت، وهو المشار إليه في قوله- تعالى-: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ.
أى: أن هذا المشرك بعد أن يبشر بولادة الأنثى، يدور بذهنه أحد أمرين: إما أن يمسكها ويبقيها على هوان وذل، وإما أن يدسها ويخفيها في التراب، بأن يدفنها فيه وهي حية حتى تموت.
والجار والمجرور في قوله «على هون» يصح أن يكون حالا من الفاعل وهو المشرك: أى أيمسك المبشر به مع رضاه- أى المشرك- بهوان نفسه وذلتها بسبب هذا الإمساك.
ويصح أن يكون حالا من المفعول وهو الضمير المنصوب. أى أيمسك هذه الأنثى ويبقيها بقاء ذلة وهوان لها، بحيث لا يورثها شيئا من ماله، ولا يعاملها معاملة حسنة.
ومن بلاغة القرآن أنه عبر بقوله «أيمسكه على هون» ليشمل حالة المشرك وحالة المبشر به وهو الأنثى.
وقوله- تعالى-: أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ. ذم لهم على صنيعهم السيئ، وعلى جهلهم الفاضح.
أى: بئس الحكم حكمهم، وبئس الفعل فعلهم، حيث نسبوا البنات إلى الله- تعالى-، وظلموهن ظلما شنيعا، حيث كرهوا وجودهن، وأقدموا على قتلهن بدون ذنب أو ما يشبه الذنب.
وصدر- سبحانه- هذا الحكم العادل عليهم بحرف «ألا» الاستفتاحية: لتأكيد هذا الحكم، ولتحقيق أن ما أقدموا عليه، إنما هو جور عظيم، قد تمالئوا عليه بسبب جهلهم الفاضح، وتفكيرهم السيئ.
أسند- سبحانه- الحكم إلى جميعهم، مع أن من فعل ذلك كان بعضا منهم، لأن ترك هذا البعض يفعل ذلك الفعل القبيح، هذا الترك هو في ذاته جريمة يستحق عليها الجميع العقوبة، لأن سكوتهم على هذا الفعل مع قدرتهم على منعه يعتبر رضا به.
ثم أتبع- سبحانه- هذا الذم لهم بذم آخر على سبيل التأكيد فقال- تعالى-:
لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
والمثل: الحال والصفة العجيبة في الحسن والقبح.
والسوء: مصدر ساءه يسوءه سوءا، إذا عمل معه ما يكره، وإضافة المثل إلى السوء للبيان.