للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعض العلماء: والتعبير القرآنى في قوله وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ يجعل ألسنتهم ذاتها كأنها الكذب ذاته، أو كأنها صورة له، تحكيه وتصفه بذاتها، كما تقول: فلان قوامه يصف الرشاقة.. لأن ذلك القوام بذاته تعبير عن الرشاقة، مفصح عنها.

كذلك قال- سبحانه- وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ ... فهي بذاتها تعبير عن الكذب، لطول ما قالت الكذب، ولكثرة ما عبرت عنه، حتى صارت رمزا عليه، ودلالة له «١» .

وقوله- سبحانه-: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ تكذيب لهم فيما زعموه من أن لهم الحسنى، ووعيد لهم بإلقائهم في النار.

وكلمة «لا جرم» وردت في القرآن الكريم في خمسة مواضع، متلوة بأن واسمها وليس بعدها فعل. وجمهور النحاة على أنها مركبة من «لا» و «جرم» تركيب خمسة عشر. ومعناها بعد التركيب معنى حق وثبت. والجملة بعدها فاعل، أى: حق وثبت كونهم لهم النار وأنهم مفرطون فيها.

وقوله- سبحانه-: مُفْرَطُونَ قرأها الجمهور- بسكون الفاء وفتح الراء- بصيغة اسم المفعول من أفرطه بمعنى قدمه. يقال: أفرطته إلى كذا. أى: قدمته إليه.

قال القرطبي: والفارط الذي يتقدم غيره الى الماء. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا فرطكم على الحوض» أى: متقدمكم ... «٢» .

أو من أفرط إذا نسيه وتركه. تقول: أفرطت فلانا خلفي، إذا تركته ونسيته.

والمعنى: أن هؤلاء الذين يزعمون أن لهم الحسنى في الآخرة كذبوا في زعمهم، وفجروا في إفكهم، فإنهم ليس لهم شيء من ذلك، وإنما الأمر الثابت الذي لا شك فيه، أن لهم في الآخرة النار، وأنهم مفرطون فيها، مقدمون إليها بدون إمهال، ومتروكون فيها بدون اكتراث بهم، كما يترك الشيء الذي لا قيمة له. قال- تعالى-: فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا «٣» .

وقرأ نافع «وأنهم مفرطون» - بسكون الفاء وكسر الراء- بصيغة اسم الفاعل. من أفرط اللازم بمعنى أسرف وتجاوز الحد. يقال: أفرط فلان في كذا، إذا تجاوز الحدود المشروعة.


(١) في ظلال القرآن ج ١٤ ص ٢١٧٩.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٢١.
(٣) سورة الأعراف الآية ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>