فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف هذا الرجل بأربع صفات، تدل على سوء فهمه، وقلة حيلته، وثقله على ولى أمره، وانسداد طرق الخير في وجهه..
هذا هو الجانب الأول من المثل، أما الجانب الثاني فيتجلى في قوله- تعالى-: هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ..
أى: «هل يستوي هو» أى هذا الرجل الأبكم العاجز.. مع رجل آخر «يأمر» غيره بالعدل «وهو» أى هذا الرجل الآخر في نفسه «على صراط مستقيم» أى: على دين قويم، وخلق كريم فقد جمع بذلك بين فضيلتين جليلتين: نفعه لغيره، وصلاحه في ذاته.
لا شك أن هذين الرجلين لا يستويان في عقل أى عاقل، إذ أن أولهما أبكم عاجز خائب..
وثانيهما منطيق، ناصح لغيره، جامع لخصال الخير في نفسه.
ومادام الأمر كذلك فكيف سويتم- أيها المشركون الضالون المكذبون- في العبادة بين الله- تعالى- وهو الخالق لكل شيء، وبين تلك الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغنى عن عابديها شيئا.
أو كيف سويتم بين المؤمن الجامع لكل مكرمة، وبين الكافر الغبي الأبله الذي آثر الغي على الرشد، فتكون الآية الكريمة مسوقة لبيان الفرق الشاسع بين المؤمن والكافر.
وقد قابل- سبحانه- الأوصاف الأربعة للرجل الأول، بهذين الوصفين للرجل الثاني، لأن حاصل أوصاف الأول أنه غير مستحق لشيء، وحاصل وصفي الثاني أنه مستحق لكل فضل وخير.
وقوله وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ... معطوف على الضمير المستتر في قوله هَلْ يَسْتَوِي....
وجملة «وهو على صراط مستقيم» في محل نصب على الحال.
وبذلك نرى أن الآيتين الكريمتين قد ساقتا مثلين واضحين، لبيان الفرق الشاسع بين ذات الله- تعالى- الخلاق العليم، الرزاق الكريم.. وبين تلك المعبودات الباطلة التي أشركها الضالون في العبادة مع الله- عز وجل-.
أو بين المؤمن الذي هو على بصيرة من أمره، وبين الكافر الذي استحب العمى على الهدى.. أو بين الحق في وضوحه وجماله وجلاله، وبين الباطل في ظلامه وقبحه وخسته.
هذا، وما ذكره بعضهم من أن المثلين في الآيتين الكريمتين، قد وردا في أشخاص معينين من