للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: إن الضمير في قوله- تعالى- وَأَلْقَوْا يعود على المشركين وشركائهم. أى.

استسلم العابدون والمعبودون وانقادوا لحكم الله الواحد القهار فيهم.

ثم بين- سبحانه- مصير الذين لم يكتفوا بالكفر، بل ضموا إليه رذائل أخرى فقال- تعالى-: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ أى: الذين لم يكتفوا بكفرهم، بل أضافوا إلى ذلك أنهم «صدوا» غيرهم ومنعوه «عن سبيل الله» أى: عن اتباع الصراط المستقيم، والطريق القويم وهو طريق الإسلام.. هؤلاء الأشقياء الذين فعلوا ذلك: «زدناهم عذابا» شديدا «فوق العذاب» الذي يستحقونه «بما كانوا يفسدون» أى: بسبب فسادهم في الأرض وكفرهم بالحق، وصدهم الناس عن اتباعه.

وهذه الزيادة في عذابهم، وردت آثار عن بعض الصحابة في بيانها. ومن ذلك ما روى عن ابن مسعود- رضى الله عنه- أنه قال: «زيدوا عقارب لها أنياب كالنخل الطوال ينهشونهم في جهنم» «١» .

قال ابن كثير: وهذا دليل على تفاوت الكفار في عذابهم، كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم «٢» .

ثم أكد- سبحانه- أمر البعث، وأنه آت لا ريب فيه، فقال- تعالى-: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.

والمراد بالشهيد هنا: كل نبي بعثه الله- تعالى- لأمة من الأمم السابقة كنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وغيرهم من الأنبياء السابقين- عليهم الصلاة والسلام-.

والظرف «يوم» متعلق بمحذوف تقديره: اذكر.

والمعنى: واذكر- أيها العاقل لتتعظ وتعتبر- يوم القيامة- يوم نبعث في كل أمة من الأمم السابقة، نبيها الذي أرسل إليها في الدنيا، ليشهد عليها الشهادة الحق، بأن يشهد لمؤمنها بالإيمان، ولكافرها بالكفر.

وقوله- سبحانه-: مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى: من جنسهم وبيئتهم، ليكون أتم للحجة، وأقطع للمعذرة، وأدعى إلى العدالة والإنصاف.


(١) تفسير ابن جرير ج ١٤ ص ١٠٧.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>