للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى: إن الله يأمركم- أيها المسلمون- بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ويأمركم- أيضا- بالوفاء بالعهود التي التزمتم بها مع الله- تعالى- أو مع الناس.

والآيات التي وردت في وجوب الوفاء بالعهود كثيرة ومن ذلك قوله- تعالى-: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا «١» .

وخص- سبحانه- الأمر بالوفاء بالعهد بالذكر- مع أنه داخل في المأمورات التي اشتملت عليها الآية السابقة كما أشار إلى ذلك القرطبي في كلامه السابق- لأن الوفاء بالعهود من آكد الحقوق وأوجبها على الإنسان.

وقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ «٢» .

ومن الأحاديث التي وردت في ذلك ما رواه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» . «٣» .

وقوله- سبحانه-: وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها ... تأكيد للأمر بالوفاء، وتحذير من الخيانة والغدر.

والنقض في اللغة: حقيقة في فسخ ما ركب بفعل يعاكس الفعل الذي كان به التركيب.

واستعمل هنا على سبيل المجاز في إبطال العهد.

والأيمان: جمع يمين. وتطلق بمعنى الحلف والقسم. وأصل ذلك أن العرب كانوا إذا أرادوا توثيق عهودهم بالقسم يقسمونه، ووضع كل واحد من المتعاهدين يمينه في يمين صاحبه.

أى: كونوا أوفياء بعهودكم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، أى: بعد توثيقها وتغليظها عن طريق تكرارها بمرة ومرتين، أو عن طريق الإتيان فيها ببعض أسماء الله- تعالى- وصفاته.

وقوله- تعالى-: بَعْدَ تَوْكِيدِها للإشعار بأن نقض الأيمان وإن كان قبيحا في كل حالة، فهو في حالة توكيد الأيمان وتغليظها أشد قبحا.

ولذا قال بعض العلماء: وهذا القيد لموافقة الواقع، حيث كانوا يؤكدون أيمانهم في


(١) سورة الإسراء الآية ٣٤.
(٢) سورة البقرة الآية ٤٠.
(٣) رياض الصالحين للإمام النووي ص ٣٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>