فالآية الكريمة قد تضمنت أمهات النعم: الأمان والاطمئنان ورغد العيش. قال بعضهم:
ثلاثة ليس لها نهاية ... الأمن والصحة والكفاية
وقوله- تعالى-: فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ بيان لموقفها الجحودى من نعم الله- تعالى- أى: فكان موقف أهل هذه القرية من تلك النعم الجليلة، أنهم جحدوا هذه النعم، ولم يقابلوها بالشكر، وإنما قابلوها بالإشراك بالله- تعالى- مسدي هذه النعم.
قال القرطبي:«والأنعم: جمع النّعمة. كالأشد جمع الشّدة، وقيل: جمع نعمى، مثل بؤسى وأبؤس» .
وقوله- سبحانه-: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ بيان للعقوبة الأليمة التي حلت بأهلها بسبب كفرهم وبطرهم.
أى: فأذاق- سبحانه- أهلها لباس الجوع والخوف، بسبب ما كانوا يصنعونه من الكفر والجحود والعتو عن أمر الله ورسله.
وذلك بأن أظهر أثرهما عليهم بصورة واضحة، تجعل الناظر إليهم لا يخفى عليه ما هم فيه من فقر مدقع، وفزع شديد.
ففي الجملة الكريمة تصوير بديع لما أصابهم من جوع وخوف، حتى لكأن ما هم فيه من هزال وسوء حال، يبدو كاللباس الذي يلبسه الإنسان، ويجعلهم يذوقون هذا اللباس ذوقا يحسون أثره إحساسا عميقا.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد أجاد في تصوير هذا المعنى فقال: «فإن قلت: الإذاقة واللباس استعارتان فما وجه صحتهما؟ والإذاقة المستعارة موقعة على اللباس المستعار، فما وجه صحة إيقاعها عليه؟.
قلت: أما الإذاقة فقد جرت عندهم مجرى الحقيقة لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمس الناس منها. فيقولون: ذاق فلان البؤس والضر، وأذاقه العذاب. شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من الطعم المر البشع.
وأما اللباس فقد شبه به لاشتماله على اللابس، ما غشى الإنسان والتبس به من بعض الحوادث.