للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتملت عليها صالحة لكل زمان ومكان، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وعلى رأس هذه التوجيهات السامية التي اشتملت عليها: دعوة المسلمين الى التزام العدالة في أحكامهم، وحضهم على الصبر والصفح ما دام ذلك لا يضر بمصلحتهم ومصلحة الدعوة الإسلامية.

وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله- تعالى-: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها، فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ... «١» .

ثم أمر- سبحانه- بالصبر أمرا صريحا، بعد أن بين حسن عاقبته فقال: وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ....

أى:: واصبر- أيها الرسول الكريم- على أذى قومك، وما صبرك في حال من الأحوال بمؤت ثماره المرجوة منه إلا بتوفيق الله- تعالى- لك، وبتثبيته إياك، وما دام الأمر كذلك فالجأ إليه وحده، واستعن به- سبحانه- في كل أمورك، فالاستثناء مفرغ من أعم الأحوال.

ثم نهاه- سبحانه- عن الحزن بسبب كفر الكافرين، فإن الهداية والإضلال بقدرة الله وحده فقال- تعالى-: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ.

أى ولا تحزن بسبب كفر الكافرين، وإصرارهم على ذلك، وإعراضهم عن دعوتك، ولا يضق صدرك بمكرهم، فإن الله- تعالى- ناصرك عليهم، ومنجيك من شرورهم.

وقوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ تعليل لما سبق من أمره بالصبر، ومن نهيه عن الحزن وضيق الصدر.

أى: إن الله- تعالى- بمعونته وتأييده مع الذين اتقوه في كل أحوالهم، وصانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضاه. ومع الذين يحسنون القول والعلم، بأن يؤدوهما بالطريقة التي أمر الإسلام بها، ومن كان الله- تعالى- معه، سعد في دنياه وفي أخراه.

وقد قيل لبعض الصالحين وهو يحتضر: أوص. فقال: إنما الوصية من المال. ولا مال لي،


(١) سورة الشورى الآية ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>