للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان من مظاهر إفسادهم في الأرض: تحريفهم للتوراة، وتركهم العمل بما فيها من أحكام، وقتلهم الأنبياء والمصلحين.

ثم بين- سبحانه- أنه يسلط عليهم بعد إفسادهم الأول في الأرض، من يقهرهم ويستبيح حرماتهم، ويدمرهم تدميرا، فقال- تعالى-: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ. فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا.

والمراد بالوعد: الموعد المحدد لعقابهم بسبب إفسادهم في الأرض، فالكلام على حذف مضاف، والضمير في أُولاهُما يعود على المرتين المعبر عنهما بقول: لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ.

وقوله فَجاسُوا معطوف على بَعَثْنا وأصل الجوس: طلب الشيء باستقصاء واهتمام لتنفيذ ما من أجله كان الطلب.

والمعنى: فإذا حان وقت عقابكم- يا بنى إسرائيل- على أولى مرتى إفسادكم بعثنا عليكم ووجهنا إليكم عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ أى أصحاب بطش شديد في الحروب والقتال، فأذلوكم وقهروكم، وفتشوا عنكم بين المساكن والديار، لقتل من بقي منكم على قيد الحياة، وكان البعث المذكور وما ترتب عليه من قتلكم وسلب أموالكم، وهتك أعراضكم، وتخريب دياركم ... وعدا نافذا لا مرد له، ولا مفر لكم منه.

قال الآلوسى: واختلف في تعيين هؤلاء العباد- الذين بعثهم الله لمعاقبة بنى إسرائيل بعد إفسادهم الأول- فعن ابن عباس وقتادة: هم جالوت وجنوده، وقال ابن جبير وابن إسحاق: هم سنحاريب ملك بابل وجنوده. وقيل: هم العمالقة، وقيل: بختنصر «١» .

وسنبين رأينا فيمن سلطه الله- تعالى- عليهم في المرتين، بعد تفسيرنا لهذه الآيات الكريمة.

فإن قال قائل: وما فائدة أن يخبر الله- تعالى- بنى إسرائيل في التوراة أنهم يفسدون في الأرض مرتين. وأنه يعاقبهم على ما كان منهم من استعلاء وطغيان، بأن يسلط عليهم من يذلهم ويقهرهم ويقضى عليهم؟.


(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>