للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر بعد- لأنه لما كان وعد الله في غاية الثقة في كونه سيقع، عبر عن المستقبل بالماضي «١» .

وأما النعمة الثانية فقد عبر عنها- سبحانه- بقوله: وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ.

أى: لم نكتف بأن جعلنا النصر لكم على أعدائكم، بل فضلا عن ذلك، أمددناكم بالكثير من الأموال والأولاد، بعد أن نهب أعداؤكم أموالكم، وقتلوا الكثيرين من أبنائكم.

وأما النعمة الثالثة فتتجلى في قوله- تعالى-: وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً.

والنفير: من ينفر مع الرجل من قومه لنصرته ومؤازرته، وهو منصوب على التمييز.

والمفضل عليه محذوف، والتقدير: وجعلناكم أكثر عددا وقوة من أعدائكم الذين جاسوا خلال دياركم..

فمن الواجب عليكم أن تقدروا هذه النعم، وأن تحسنوا الاستفادة منها، بأن تشكروا الله- تعالى- وتخلصوا له العبادة والطاعة، فقد نصركم بعد هزيمتكم، وأغناكم بعد فقركم، وكثّركم بعد قتلكم.

ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك سنة من سننه التي لا تتخلف، وهي أن الإحسان عاقبته الفلاح، والعصيان عاقبته الخسران، وأن كل إنسان مسئول عن عمله، ونتائج هذا العمل- سواء أكانت خيرا أم شرا- لا تعود إلا عليه، فقال- تعالى-: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها.

أى: إن أحسنتم- أيها الناس- أعمالكم، بأن أديتموها بالطريقة التي ترضى الله- تعالى- أفلحتم وسعدتم، وجنيتم الثمار الطيبة التي تترتب على هذا الإحسان للعمل، وإن أسأتم أعمالكم، بأن آثرتم الأعمال السيئة على الأعمال الحسنة، خسرتم وشقيتم وتحملتم وحدكم النتائج الوخيمة التي تترتب على إتيان الأعمال التي لا ترضى الله- تعالى-.

وقد رأيتم كيف أن الإفساد كانت عاقبته أن بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ.

وكيف أن الإحسان كانت عاقبته أن رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ على أعدائكم وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً.

قال صاحب البحر ما ملخصه: وجواب «وإن أسأتم» قوله «فلها» وهو خبر لمبتدأ محذوف أى: فالإساءة لها. قال الكرماني: قال- سبحانه-: فَلَها باللام ازدواجا.


(١) تفسير أبى حيان ج ٦ ص ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>