للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيمان والصلاح عاقبتهما الفلاح، وأن الكفر والفساد عاقبتهما الشقاء، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.

هذا، والذي يراجع ما قاله المفسرون في بيان العباد الذين سلطهم الله- تعالى- على بنى إسرائيل بعد إفسادهم الأول والثاني في الأرض، يرى أقوالا متعددة يبدو على كثير منها الاضطراب والضعف «١» .

ومن ذلك ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس وابن مسعود- رضى الله عنهما- أن الله- تعالى- عهد إلى بنى إسرائيل في التوراة لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ فكان أول الفسادين قتل زكريا، فبعث الله عليهم ملك النبط، وكان يدعى «صحابين» فبعث الجنود، وكانوا من أهل فارس.. فتحصنت بنو إسرائيل.. ودخل فيهم «بختنصر» - أحد جنود صحابين- وسمع أقوالهم.. إلخ «٢» .

وهذا الأثر من وجوه ضعفه، أن غزو النبط ومعهم بختنصر لبنى إسرائيل سابق على زمان زكريا- عليه السلام- بحوالى ستة قرون.

لأن الثابت تاريخيا أن بختنصر غزا بنى إسرائيل وانتصر عليهم ثلاث مرات: الأولى في سنة ٦٠٦ ق. م والثانية في سنة ٥٩٩ ق. م، والثالثة في سنة ٥٨٨ ق. م.

وفي هذه المرة الثالثة أكثر القتل فيهم، وساق الأحياء منهم أسارى إلى أرض بابل.

أما زكريا- عليه السلام- فمن المعروف أنه كان معاصرا لعيسى- عليه السلام- أو مقاربا لعصره: فقد أخبرنا القرآن الكريم أن زكريا هو الذي تولى كفالة مريم أم عيسى.

وإذا فالقول بأن إفسادهم الأول كان لقتلهم زكريا، وأن المسلط عليهم ملك النبط ومع «بختنصر» يتنافى مع الحقائق التاريخية.

وفضلا عن ذلك، فإن هذا الأثر اضطرابه ظاهر، لأن «صحابين» ملك النبط، هو الذي يسميه المؤرخون «سنحاريب» وكان ملكا للأشوريين، وهو الذي غزا مملكة يهوذا سنة ٧١٣ ق. م أى قبل غزو بختنصر لها بأكثر من مائة سنة، أى: أن بختنصر لم يكن معاصرا له.

والرأى الذي نختاره: هو أن العباد الذين سلطهم الله على بنى إسرائيل بعد إفسادهم


(١) ذكرنا معظم هذه الأقوال في كتابنا «بنو إسرائيل في القرآن والسنة» ج ٢ ص ٣٥٩ وناقشناها، وضعفنا ما يستحق التضعيف منها، ورجحنا ما يستحق الترجيح.
(٢) تفسير ابن جرير ج ١٦ ص ١٧- بتصرف وتلخيص. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>