ولهذه الأسباب نرجح أن يكون العباد الذين سلطهم الله على بنى إسرائيل بعد إفسادهم الثاني في الأرض، هم الرومان بقيادة «تيطس» .
هذا، ومع ترجيحنا بأن المسلط عليهم في المرة الأولى، هم جالوت وجنوده وفي المرة الثانية هم الرومان بقيادة «تيطس» .
أقول مع ترجيحنا لذلك، إلا أننا نحب في نهاية حديثنا عن هذه الآيات الكريمة، أن نقرر ما يأتى:
١- أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث في بيان المراد بالعباد الذين سلطهم الله على بنى إسرائيل عقب مرتى إفسادهم، وإلا لذكره المفسرون.
٢- أن الإفساد في الأرض قد حدث كثيرا من بنى إسرائيل، وأن المقصود من قوله- تعالى- لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ إنما هو أظهر وأبرز مرتين حدث فيهما الإفساد منهم.
ومما يدل على أن هذا الإفساد قد تكرر منهم قوله- تعالى-: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وقوله- تعالى-: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ «١» .
٣- أن المقصود من سياق الآيات، إنما هو بيان سنة من سنن الله في الأمم حال صلاحها وفسادها.
وقد ساق القرآن الكريم هذا المعنى بأحكم عبارة، وذلك في قوله- تعالى-: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها.
ولا شك أن هذه السنة ماضية في الأمم دون تبديل أو تحويل في كل زمان ومكان.
وما دام هذا هو المقصود، ففهمه لا يتوقف على تحديد مرتى إفسادهم، وتحديد المسلط عليهم عقب كل مرة.
ويعجبني في هذا المقام، قول الإمام ابن كثير: «وقد وردت في هذا- أى في المسلط عليهم في المرتين- آثار كثيرة إسرائيلية، لم أر تطويل الكتاب بذكرها، لأن منها ما هو موضوع من وضع زنادقتهم، ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحا، ونحن في غنية عنها، ولله الحمد، وفيما قص الله علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله، ولم يحوجنا الله ولا رسوله إليهم.
وقد أخبر الله- تعالى- أنهم لما بغوا وطغوا سلط عليهم عدوهم، فاستباح بيضتهم وسلك
(١) سورة الأعراف الآية ١٦٧.