للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر صاحب الكشاف هذين الوجهين دون أن يرجح بينهما فقال: قوله- تعالى-:

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ.. فيه وجهان: أحدهما: أن يراد أن الليل والنهار آيتان في أنفسهما، فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين، كإضافة العدد إلى المعدود، أى:

فمحونا الآية التي هي الليل، وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة.

والثاني: أن يراد: وجعلنا نيرى الليل والنار آيتين، يريد الشمس والقمر ...

أى: فمحونا آية الليل التي هي القمر، حيث لم نخلق له شعاعا كشعاع الشمس تبصر به الأشياء، وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء «١» .

والذي نراه: أن الاتجاه الأول أقرب إلى الصواب، لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة ولأنه لا يحتاج إلى تقدير، وما كان كذلك أولى مما يحتاج إلى تقدير، ولأن الليل والنهار هما بذاتهما من أظهر العلامات والأدلة على قدرة الله- تعالى- ووحدانيته.

وهناك عشرات الآيات القرآنية في هذا المعنى، ومن ذلك قوله- تعالى- وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ «٢» .

وقوله- تعالى-: وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ... «٣» .

وقال- تعالى-: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ، لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ «٤» إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي أوردها الله- تعالى- في هذا المعنى.

وقوله- سبحانه-: لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ بيان لمظهر من مظاهر حكمته- تعالى- ورحمته بعباده.

والجملة الكريمة متعلقة بما قبلها، وهو قوله- سبحانه-: وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً أى: جعلنا النهار مضيئا، لتطلبوا فيه ما تحتاجونه من أمور معاشكم، ومن الأرزاق التي قسمها الله بينكم.

قال الآلوسى ما ملخصه: وفي التعبير عن الرزق بالفضل، وعن الكسب بالابتغاء: دلالة على أنه ليس للعبد في تحصيل الرزق تأثير سوى الطلب، وإنما الإعطاء من الله- تعالى-


(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٤٠.
(٢) سورة يس الآية ٣٧.
(٣) سورة فصلت الآية ٣٧.
(٤) سورة آل عمران الآية ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>