للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشعارها، فأمر الله- تعالى- بالنفقة في وجوهها، مما يقرب منه ويزلف.. «١» .

وقال ابن كثير: وقوله وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً: لما أمر بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه، بل يكون وسطا، كما قال- تعالى-: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً.

وقال ابن مسعود: التبذير: الإنفاق في غير حق. وكذا قال ابن عباس.

وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرا. ولو أنفق مدا في غير حقه كان تبذيرا «٢» .

وقوله: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ، وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً تعليل للنهى عن التبذير، وتنفير منه بأبلغ أسلوب.

والمراد بأخوة الشياطين: المماثلة لهم في الصفات السيئة، والسلوك القبيح.

قال الإمام الرازي: والمراد من هذه الأخوة، التشبه بهم في هذا الفعل القبيح، وذلك لأن العرب يسمون الملازم للشيء أخا له، فيقولون: فلان أخو الكرم والجود. وأخو السفر، إذا كان مواظبا على هذه الأعمال «٣» .

أى: كن- أيها العاقل- متوسطا في نفقتك، ولا تبذر تبذيرا. لأن المبذرين يماثلون ويشابهون الشياطين في صفاتهم القبيحة، وكان الشيطان في كل وقت وفي كل حال جحودا لنعم ربه، لا يشكره عليها، بل يضعها في غير ما خلقت له هذه النعم.

وفي تشبيه المبذر بالشيطان في سلوكه السيئ، وفي عصيانه لربه، إشعار بأن صفة التبذير من أقبح الصفات التي يجب على العاقل أن يبتعد عنها، حتى لا يكون مماثلا للشيطان الجاحد لنعم ربه.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما يجب على المؤمن فعله في حال عدم قدرته على تقديم العون للأقارب والمحتاجين، فقال- تعالى-: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها، فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً.

ولفظ إِمَّا مركب من «إن» الشرطية، ومن «ما» المزيدة. أى: إن تعرض عنهم.


(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٤٦.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٦٦ طبعة دار الشعب. [.....]
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ٢٠ ص ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>