للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستبقاءه على الدية إن أحب، والعفو عنه إن رأى. وكفى بذلك نصرة له من الله- تعالى-، فلذلك هو المعنى بالهاء التي في قوله إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً «١» .

والمتأمل في هذه الآية الكريمة التي هي أول آية نزلت في شأن القتل كما قال الضحاك «٢» :

يراها قد عالجت هذه الجريمة علاجا حكيما.

فهي أولا: تنهى عن القتل، لأنه من أكبر الكبائر التي تؤدى إلى غضب الله- تعالى- وسخطه، قال- تعالى-: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً «٣» .

وجاء النهى عنه في بعض الآيات بعد النهى عن الإشراك بالله- عز وجل-. قال- سبحانه-: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ.. «٤» .

كما جاء النهى عنه في كثير من الأحاديث النبوية، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن ابن مسعود- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» .

وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: «الآدمي بنيان الرب، ملعون من هدم بنيان الرب» .

وفي حديث ثالث: «لو اجتمع أهل السموات والأرض على قتل رجل مسلم، لأكبهم الله في النار» .

وهذا النهى الشديد عن قتل النفس من أسبابه: أنه يؤدى إلى شيوع الغل والبغض والتقاتل ... بين الأفراد والجماعات إذ النفس البشرية في كل زمان ومكان، يؤلمها، ويثير غضبها وانتقامها، أن ترى قاتل عزيز لديها يمشى على الأرض..

وهي ثانيا: تسوق لولى المقتول من التوجيهات الحكيمة، ما يهدئ نفسه، ويقلل من غضبه، ويطفئ من نار ثورته المشتعلة.

وقد أجاد صاحب الظلال- رحمه الله- في توضيح هذا المعنى فقال:

«وفي تولية صاحب الدم على القصاص من القاتل، وتجنيد سلطان الشرع وتجنيد الحاكم


(١) تفسير ابن جرير ج ٨ ص ٦٠- طبعة دار المعرفة- بيروت.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٧٠.
(٣) سورة النساء الآية ٩٣.
(٤) سورة الفرقان الآية ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>