للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشبيه بهذه الآية في النهى عن اتباع ما لا علم للإنسان به. قوله- تعالى-: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً، وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ «١» .

وقوله- سبحانه-: يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً، وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ «٢» .

قال الإمام ابن كثير: ومضمون ما ذكروه- في معنى قوله- تعالى-: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.. أن الله- تعالى- نهى عن القول بلا علم، كما قال- سبحانه-:

اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.. وفي الحديث: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ... » وفي سنن أبى داود: «بئس مطية الرجل زعموا» وفي الحديث الآخر:

«إن أفرى الفري- أى أكذب الكذب- أن يرى الرجل عينيه ما لم تريا» «٣» .

وقال بعض العلماء: وهذه الكلمات القليلة- التي اشتملت عليها الآية- تقيم منهجا كاملا للقلب والعقل، يشمل المنهج العلمي الذي عرفته البشرية حديثا جدا، ويضيف إليه استقامة القلب، ومراقبة الله، ميزة الإسلام على المناهج العقلية الجافة!.

فالتثبت من كل خبر، ومن كل ظاهرة، ومن كل حركة، قبل الحكم عليها، هو دعوة القرآن الكريم، ومنهج الإسلام الدقيق..

فلا يقول اللسان كلمة، ولا ينقل رواية، ولا يروى حادثة، ولا يحكم العقل حكما، ولا يبرم الإنسان أمرا. إلا وقد تثبت من كل جزئية، ومن كل ملابسة ومن كل نتيجة، فلم يبق هنالك شك ولا شبهة في صحتها.. «٤» .

ثم ينتقل القرآن الكريم من النهى عن أن يتبع الإنسان ما لا علم له به، إلى النهى عن التفاخر والتكبر والإعجاب في النفس فيقول: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً....

والمرح في الأصل: شدة الفرح، والتوسع فيه، مع الخيلاء والتعالي على الناس، يقال:

مرح- بزنة فرح- يمرح مرحا، إذا اشتد فرحه ومشى مشية المتكبرين. وهو مصدر وقع موقع الحال.


(١) سورة الأعراف الآية ٣٣.
(٢) سورة البقرة الآية ١٦٨، ١٦٩.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٧٢.
(٤) من تفسير «في ظلال القرآن» ج ١٥ ص ٢٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>