للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل كل كائن في هذا الوجود يسبح بحمده- تعالى-.

وهذا التصريح يحمل كل إنسان عاقل على طاعة الله، وإخلاص العبادة له، ومداومة ذكره ... حتى لا يكون- وهو الذي كرمه ربه وفضله- أقل من غيره طاعة لله- تعالى-.

وقوله: إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً تذييل قصد به بيان فضل الله- تعالى- ورحمته بعباده مع تقصيرهم في تسبيحه وذكره.

أى: إِنَّهُ كانَ حَلِيماً لا يعاجل المقصر بالعقوبة، بل يمهله لعله يرعوى وينزجر عن تقصيره ومعصيته، غَفُوراً لمن تاب وآمن وعمل صالحا واهتدى إلى صراطه المستقيم.

هذا، ومن العلماء من يرى أن تسبيح هذه الكائنات بلسان الحال.

قال بعض العلماء تسبيح هذه الكائنات لله- تعالى- هو دلالتها- بإمكانها وحدوثها، وتغير شئونها، وبديع صنعها- على وجود مبدعها، ووحدته وقدرته، وتنزهه عن لوازم الإمكان والحدوث، كما يدل الأثر على المؤثر.

فهي دلالة بلسان الحال، لا يفقهها إلا ذوو البصائر. أما الكافرون فلا يفقهون هذا التسبيح، لفرط جهلهم وانطماس بصيرتهم.. «١» .

ومنهم من يرى أن تسبيحها بلسان المقال، أى أن التسبيح بمعناه الحقيقي، فالكل يسبح بحمد الله، ولكن بلغته الخاصة التي لا يفهمها الناس.

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: وقوله: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ أى: وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ أى: لا تفقهون تسبيحهم- أيها الناس- لأنها بخلاف لغتكم وهذا عام في الحيوانات والنبات والجماد.

وهذا أشهر القولين كما ثبت في صحيح البخاري وغيره، عن ابن مسعود أنه قال: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.

وفي حديث أبى ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ في يده حصيات، فسمع لهن تسبيح كحنين النحل. وكذا في يد أبى بكر وعمر وعثمان- رضى الله عنهم- وهو حديث مشهور في المسانيد ...

ثم قال ويشهد لهذا القول آية السجدة في أول سورة الحج- وهو قوله- تعالى-:


(١) صفوة البيان لمعانى القرآن ج ١ ص ٤٥٧ لفضيلة الشيخ حسنين مخلوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>