للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم بين- سبحانه- أن مصير جميع الخلائق إليه، وأنه محيط بأحوالهم فقال. رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ، إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ، أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ...

أى: ربكم- أيها الناس- أعلم بكم من أنفسكم، وهو- سبحانه- إن يشأ بفضله يرحمكم، بأن يوفقكم لطاعته وتقواه، وإن يشأ بعدله يعذبكم، بسبب معاصيكم وفسوقكم عن أمره، لا يسأل- عز وجل- عما يفعل، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.

وقوله- تعالى-: وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا بيان لوظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم.

أى: وما أرسلناك- أيها الرسول الكريم- إلى الناس، لتكون حفيظا ورقيبا. وموكولا إليك أمرهم في إجبارهم وإكراههم على الدخول في الإسلام، وإنما أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا. وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.

ثم انتقل- سبحانه- من بيان كمال علمه بأحوال الناس، إلى بيان كمال علمه بجميع من في السموات والأرض، فقال- تعالى-: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.

أى: وربك- أيها الرسول الكريم- أعلم بأحوال من في السموات والأرض من إنس وجن وملك، وغير ذلك، ولا يخفى عليه شيء من ظواهرهم أو بواطنهم، ولا يعزب عن علمه- تعالى- شيء من طاعتهم أو معصيتهم، ولا يعلم أحد سواه من هو أهل منهم للتشرف بحمل رسالته، وتبليغ وحيه كما قال: - تعالى-: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ.

وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً بيان لمظهر من مظاهر علمه المطلق، وفضله العميم: وعطائه الواسع.

والزبور: هو الكتاب الذي أنزله الله- تعالى- على داود- عليه السلام.

أى: ولقد فضلنا- على علم وحكمة منا- بعض النبيين على بعض، بأن جعلنا منهم من كلم الله، ومنهم من اتخذناه خليلا لنا، ومنهم من آتيناه البينات وأيدناه بروح القدس، ومنهم من آتيناه الزبور وهو داود- عليه السلام-.

قال الإمام ابن كثير: وقوله- تعالى-: وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وقوله- تعالى-: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ... لا ينافي ما ثبت من الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تفضلوا بين الأنبياء» فإن المراد من ذلك هو التفضيل بمجرد التشهى والعصبية، لا بمقتضى الدليل، فإذا دل الدليل على شيء وجب اتباعه، ولا خلاف أن الرسل أفضل عن بقية الأنبياء، وأن أولى العزم منهم أفضلهم، وهم الخمسة المذكورون

<<  <  ج: ص:  >  >>