للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي قوله: وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً فيه خمسة أقوال: الأول: العبر والمعجزات التي جعلها الله على أيدى الرسل، من دلائل الإنذار تخويفا للمكذبين. الثاني:

أنها آيات الانتقام تخويفا من المعاصي. الثالث: أنها تقلب الأحوال من صغر إلى شباب ثم إلى تكهل ثم إلى مشيب، لتعتبر بتقلب أحوالك فتخاف عاقبة أمرك. الرابع: القرآن، الخامس: الموت الذريع» «١» .

والمعنى: وما نرسل رسلنا ملتبسين بالآيات والمعجزات الدالة على صدقهم، إلا تخويفا لأقوامهم من سوء تكذيبهم لها. فإنهم إن كذبوها يصيبهم من العذاب ما يصيبهم.

ثم ذكر- سبحانه- ما يزيد النبي صلى الله عليه وسلم ثباتا على ثباته، ويقينا على يقينه، وما يدل على شمول علمه- تعالى- ونفاذ قدرته، وبليغ حكمته فقال: وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ....

أى: واذكر- أيها الرسول الكريم- وقت أن قلنا لك على لسان وحينا. إن ربك- عز وجل- قد أحاط بالناس علما وقدرة. فهم في قبضته، وتحت تصرفه، وقد عصمك منهم، فامض في طريقك. وبلغ رسالة ربك، دون أن تخشى من كفار مكة أو من غيرهم، عدوانا على حياتك، فقد عصمك- سبحانه- منهم.

وفي هذه الجملة ما فيها من التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن التبشير له ولأصحابه، بأن العاقبة ستكون لهم، ومن الحض لهم على المضي في طريقهم دون أن يخشوا أحدا إلا الله.

والمراد بالرؤيا في قوله- تعالى-: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ:

ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وعاينه بعينيه من عجائب، ليلة الإسراء والمعراج.

أى: وما جعلنا ما رأيته وعاينته ليلة إسرائنا بك من غرائب، إلا فتنة للناس. ليتميز قوى الإيمان من ضعيفه، وسليم القلب من مريضه.

وأطلق- سبحانه- على ما أراه لنبيه ليلة الإسراء لفظ الرؤيا مع أنه كان يقظة «لأن هذا اللفظ يطلق حقيقة على رؤيا المنام، وعلى رؤية اليقظة ليلا فإنه قد يقال لرؤية العين رؤيا، كما في قول الشاعر يصف صائدا: وكبر للرؤيا وهش فؤاده.. أى: وسر لرؤيته للصيد الذي سيصيده. أو أطلق عليه لفظ الرؤيا على سبيل التشبيه بالرؤيا المنامية، نظرا لما رآه في


(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٢٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>