للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ أن اللام في قوله لَئِنْ ... موطئة للقسم، وجوابه لأحتنكن.

وأصل الاحتناك: الاستيلاء على الشيء أو الاستئصال له. يقال: حنك فلان الدابة يحتنكها- بكسر النون ورفعها- إذا وضع في حنكها- أى في ذقنها- الرسن ليقودها به.

ويقال: احتنك الجراد الأرض، إذا أكل نباتها وأتى عليه.

والمعنى: قال إبليس- متوعدا ومهددا-: لئن أخرتن- يا إلهى- إلى يوم القيامة، لأستولين على ذرية آدم، ولأقودنهم إلى ما أشاء من المعاصي والشهوات، إلا عددا قليلا منهم فإنى لا أستطيع ذلك بالنسبة لهم، لقوة إيمانهم، وشدة إخلاصهم.

وهذا الذي ذكره- سبحانه- عن إبليس في هذه الآية من قوله: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا شبيه به قوله- تعالى-: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ، وَعَنْ أَيْمانِهِمْ، وَعَنْ شَمائِلِهِمْ، وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ «١» .

وقوله- تعالى- قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ «٢» .

قال بعض العلماء: وقول إبليس في هذه الآية: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ ... قاله ظنا منه أنه سيقع. وقد تحقق له هذا الظن- في كثير من بنى آدم- كما قال- تعالى- وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «٣» .

وقوله- تعالى- قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً بيان لما توعد الله- سبحانه- به إبليس وأتباعه.

والأمر في قوله اذْهَبْ للإهانة والتحقير. أى: قال الله- تعالى- لإبليس اذْهَبْ مطرودا ملعونا، وقد أخرناك إلى يوم القيامة، فافعل ما بدا لك مع بنى آدم، فمن أطاعك منهم، فإن جهنم جزاؤك وجزاؤهم، جزاء مكملا متمما لا نقص فيه.

وقال- سبحانه- فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ مع أنه قد تقدم غائب ومخاطب في قوله فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ، تغليبا لجانب المخاطب- وهو إبليس- على جانب الغائب وهم أتباعه. لأنه هو السبب في إغواء هؤلاء الأتباع.

وقوله: جَزاءً مفعول مطلق، منصوب بالمصدر قبله.


(١) سورة الأعراف الآية ١٧.
(٢) سورة ص الآيتان ٨٢، ٨٣.
(٣) سورة سبأ الآية ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>