للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى. قال الله- تعالى- لإبليس: اذهب أيها اللعين مذءوما مدحورا. فإن جهنم هي الجزاء المعد لك ولأتباعك من ذرية آدم، وافعل ما شئت معهم من الاستفزاز والخداع والإزعاج ولهو الحديث وأجلب عليهم ما تستطيع جلبه من مكايد، وما تقدر عليه من وسائل، كأن تناديهم بصوتك ووسوستك إلى المعاصي، وكأن تحشد جنودك على اختلاف أنواعهم لحربهم وإغوائهم وصدهم عن الطريق المستقيم.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى استفزاز إبليس بصوته، وإجلابه بخيله ورجله؟

قلت: هو كلام وارد مورد التمثيل شبهت حاله في تسلطه على من يغويه، بمغوار أوقع على قوم، فصوت بهم صوتا يستفزهم من أماكنهم، ويقلقهم عن مراكزهم، وأجلب عليهم بجنده، من خيالة ورجالة حتى استأصلهم، وقيل: بصوته، أى: بدعائه إلى الشر، وبخيله، ورجله: أى كل راكب وماش من أهل العبث. وقيل: يجوز أن يكون لإبليس خيل ورجال» «١» .

وعلى أية حال، فالجملة الكريمة تصوير بديع، لعداوة إبليس لآدم وذريته، وأنه معهم في معركة دائمة، يستعمل فيها كل وسائل شروره، ليشغلهم عن طاعة ربهم، وليصرفهم عن الصراط المستقيم، ولكنه لن يستطيع أن يصل إلى شيء من أغراضه الفاسدة، ماداموا معتصمين بدين ربهم- عز وجل-.

وقوله- سبحانه-: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ، معطوف على ما قبله.

أى: وشاركهم في الأموال، بأن تحضهم على جمعها من الطرق الحرام، وعلى إنفاقها في غير الوجوه التي شرعها الله، كأن يستعملوها في الربا والرشوة وغير ذلك من المعاملات المحرمة.

وشاركهم في الأولاد: بأن تحثهم على أن ينشئوهم تنشئة تخالف تعاليم دينهم الحنيف وبأن تيسر لهم الوقوع في الزنا الذي يترتب عليه ضياع الأنساب، وبأن تظاهرهم على أن يسموا أولادهم بأسماء يبغضها الله- عز وجل-، إلى غير ذلك من وساوسك التي تغرى الآباء بأن يربوا أبناءهم تربية يألفون معها الشرور والآثام، والفسوق والعصيان.

قال الإمام ابن جرير بعد أن ساق عددا من الأقوال في ذلك: وأولى الأقوال بالصواب أن


(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٦٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>