للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإِنْ في قوله وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ... مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن.

وكاد من أفعال المقاربة. ولَيَفْتِنُونَكَ من الفتنة، وأصلها الاختبار والامتحان. يقال: فتن الصائغ الذهب، أى: اختبره ليعرف جيده من خبيثة، ويقال:

فتنت الرجل عن رأيه، إذا أزلته عما كان عليه، وهو المراد هنا.

والمعنى وإن شأن هؤلاء المشركين، أنهم قاربوا في ظنهم الباطل، وزعمهم الكاذب، أن يخدعوك ويفتنوك- أيها الرسول الكريم- عما أوحينا إليك من هذا القرآن، لكي تفترى علينا غيره، وتتقول علينا أقوالا ما أنزل الله بها من سلطان.

وقوله: وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا بيان لحالهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم لو أنه أطاعهم فيما اقترحوه عليه.

قال الجمل ما ملخصه: «وإذا حرف جواب وجزاء يقدر بلو الشرطية. وقوله:

لَاتَّخَذُوكَ جواب قسم محذوف تقديره: والله لاتخذوك، وهو مستقبل في المعنى، لأن إذا تقتضي الاستقبال، إذ معناها المجازاة، وهذا كقوله- تعالى-: وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ أى: ليظلوا «١» .

والمعنى: لو أنك- أيها الرسول الكريم- وافقتهم على مقترحاتهم الفاسدة لأحبوا ذلك منك، ولصاروا أصدقاء لك في مستقبل أيامك.

وقد بين القرآن الكريم في كثير من آياته، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عن مقترحاتهم ورفضها، ولم يلتفت إليها، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ، قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي، إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ، إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ، فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ «٢» .

ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر فضله على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا.


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٦٣٨.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ٤٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>