للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرسول صلى الله عليه وسلم هو أعظم الخلق على الإطلاق، لذا توعده الله- تعالى- بمضاعفة العذاب، لو ركن إلى المشركين أدنى ركون.

وقريب من هذا المعنى قوله- تعالى- يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً «١» .

قال صاحب الكشاف: وفي ذكر الكيدودة وتقليلها، مع إتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين، دليل بين على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته، وفيه دليل على أن أدنى مداهنه للغواة، مضادة لله وخروج عن ولايته، وسبب موجب لغضبه ونكاله. فعلى المؤمن إذا تلا هذه الآيات أن يجثو عندها ويتدبرها فهي جديرة بالتدبر وبأن يستشعر الناظر فيها الخشية وازدياد التصلب في دين الله «٢» .

ثم ذكر- سبحانه- مكيدة أخرى من مكايد المشركين، وهي محاولتهم إخراج النبي صلى الله عليه وسلم من بلده، لكي يعكفوا على عبادة آلهتهم الباطلة دون أن ينهاهم عن ذلك أحد، فقال- تعالى-: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها....

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: قيل نزلت في اليهود إذ أشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم بسكنى الشام، بلاد الأنبياء وترك سكنى المدينة وهذا القول ضعيف لأن هذه الآية مكية وسكنى المدينة كان بعد ذلك ...

ثم قال: وقيل نزلت في كفار قريش، حين هموا بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، فتوعدهم الله- تعالى- بهذه الآية: وأنهم لو أخرجوه لما لبثوا بعده بمكة إلا زمنا يسيرا ... «٣» .

وما ذهب إليه ابن كثير- رحمه الله- من أن الآية مكية، هو الذي تسكن إليه النفس.

فيكون المعنى: وَإِنْ كادُوا أى: كفار مكة لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ أى:

ليزعجونك ويحملونك على الخروج من الأرض التي على ترابها ولدت وفيها نشأت، وهي أرض مكة.

وقوله: وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا بيان لسوء مصيرهم إذا ما أخرجوه صلى الله عليه وسلم من مكة.


(١) سورة الأحزاب الآية ٣٠.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٦٨٥.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٥٣. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>