ويجوز أن يكون قوله مَسْحُوراً بمعنى ساحر، فيكون المعنى: إنى لأطنك يا موسى ساحرا، عليما بفنون السحر فقد أتيت بأشياء عجيبة يشير بذلك إلى انقلاب العصا حية بعد أن ألقاها- عليه السلام-.
وهذا شأن الطغاة في كل زمان ومكان، عند ما يرون الحق قد أخذ يحاصرهم، ويكشف عن ضلالهم وكذبهم ... يرمون أهله- زورا وبهتانا- بكل نقيصة.
وعند ما يحكى القرآن الكريم ما رد به موسى على فرعون فيقول: قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ.
أى: قال موسى لفرعون ردا على كذبه وافترائه: لقد علمت يا فرعون أنه ما أوجد هذه الآيات التسع إلا الله- تعالى- خالق السموات والأرض، وقد أوجدها- سبحانه- بصورة واضحة جلية، حتى لكأتها البصائر في كشفها للحقائق وتجليتها.
فقوله بَصائِرَ حال من هؤُلاءِ أى: أنزل هذه الآيات حال كونها بينات واضحات تدلك على صدقى.
وفي هذا الرد توبيخ لفرعون على تجاهله الحقائق، حيث كان يعلم علم اليقين أن موسى- عليه السلام- ليس مسحورا ولا ساحرا، وأن الآيات التي جاء بها إنما هي من عند الله- تعالى-، كما قال- سبحانه-: مخاطبا موسى: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ. فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً، قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا، فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ «١» .
وقوله: وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً توبيخ آخر لفرعون، وتهديد له لأنه وصف نبيا من أنبياء الله- تعالى- بأنه مسحور.
ومثبورا بمعنى مهلك مدمر. يقال: ثبر الله- تعالى- الظالم يثبره ثبورا، إذا أهلكه.
أو بمعنى مصروفا عن الخير. مطبوعا على الشر من قولهم: ما ثبرك يا فلان عن هذا الأمر؟ أى: ما الذي صرفك ومنعك عنه.
والظن هنا بمعنى اليقين، والمعنى: وإنى لأعتقد يا فرعون أن مصيرك إلى الهلاك والتدمير،