نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً
أى: سكوتا عن الكلام. وصوم الريح ركودها وإمساكها عن الهبوب.
وتقول العرب: صام النهار وصامت الشمس عند قيام الظهيرة لأنها كالممسكة عن الحركة.
أما الصيام في عرف الشرع فهو- كما يقول الآلوسى- إمساك عن أشياء مخصوصة على وجه مخصوص في زمان مخصوص ممن هو على صفات مخصوصة.
وقد فرض الله- تعالى- على المسلمين صيام شهر رمضان في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة، وعده النبي صلّى الله عليه وسلّم أحد أركان الإسلام الخمسة، فقد روى البخاري- بسنده- عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان.
وأل في الصيام للعهد الذهني، فقد كان العرب يعرفون الصوم، فقد جاء في الصحيحين عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش والجاهلية» .
والتشبيه في قوله- تعالى-: كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ راجع إلى أصل إيجاب الصوم وفريضته. أى: أن عبادة الصوم كانت مكتوبة ومفروضة على الأمم السابقة، ولكن بكيفية لا يعلمها إلا الله، إذ لم يرد نص صحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبين لنا فيه كيف كان صيام الأمم السابقة على الأمة الإسلامية.
وقيل إن التشبيه راجع إلى وقت الصوم وقدره، فقد روى عن مجاهد أنه قال: كتب الله- عز وجل- صوم شهر رمضان على كل أمة.
وهذا القول ليس له دليل، ولذا قال القاضي أبو بكر بن العربي: المقطوع به أن التشبيه في الفرضية خاصة، وسائر الوجوه مجرد احتمال.
ولفظ «كما» في قوله- تعالى-: كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ في موضع نصب على المصدر، أى: فرض عليكم الصيام فرضا كالذي فرض على الذين من قبلكم.
ومن فوائد هذا التشبيه، الاهتمام بهذه العبادة والتنويه بشأنها إذ شرعها- سبحانه- لأتباع النبي صلّى الله عليه وسلّم ولأتباع الرسل الذين سبقوه في الدعوة إلى توحيد الله، وهذا مما يقتضى وفرة ثوابها، ودوام صلاحها.
كذلك من فوائده تسهيل هذه العبادة على المسلمين لأن الشيء الشاق تخف مشقته على الإنسان عند ما يعلم أن غيره قد أداه من قبله.
والفائدة الثالثة من هذا التشبيه إثارة العزائم والهمم للنهوض بهذه العبادة، حتى لا يكونوا