للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى: ربنا رب السموات والأرض، لن ندعو من دونه إلها. ولو فرض أننا دعونا وعبدنا من دونه إلها آخر، والله لنكونن في هذه الحالة قد قلنا إذا قولا شططا، أى: بعيدا بعدا واضحا عن دائرة الحق والصواب.

والآية الكريمة تدل على قوة إيمان هؤلاء الفتية، وعلى أن من كان كذلك ثبت الله- تعالى- قلبه، وقواه على تحمل الشدائد، كما تدل على أن من أشرك مع الله- تعالى- إلها آخر، يكون بسبب هذا الإشراك، قد جاء بأمر شطط بعيد كل البعد عن الحق والصواب وصدق الله إذ يقول: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ «١» .

ثم حكى- سبحانه- عن هؤلاء الفتية أنهم لم يكتفوا بإعلان إيمانهم الصادق، بل أضافوا إلى ذلك استنكارهم لما عليه قومهم من شرك فقال: هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ ...

و «هؤلاء» مبتدأ، و «قومنا» عطف بيان، وجملة «اتخذوا من دونه آلهة» هي الخبر.

و «لولا» للتحضيض، وهو الطلب بشدة والمقصود بالتحضيض هنا: الإنكار والتعجيز، إذ من المعلوم أن قومهم لن يستطيعوا أن يقيموا الدليل على صحة ما هم عليه من شرك.

والمراد بالسلطان البين: الحجة الواضحة.

أى: أن أولئك الفتية بعد أن اجتمعوا، وتعاهدوا على عبادة الله- تعالى- وحده، ونبذ الشرك والشركاء قالوا على سبيل الإنكار والاحتقار لما عليه قومهم: هؤلاء قومنا بلغ بهم السفه والجهل، أنهم اتخذوا مع الله- تعالى- أصناما يشركونها معه في العبادة، هلا أتى هؤلاء السفهاء بحجة ظاهرة تؤيد دعواهم بأن هذه الأصنام تصلح آلهة لا شك أنهم لن يستطيعوا ذلك.

قال صاحب الكشاف وقوله: لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ تبكيت لأن الإتيان بالسلطان على صحة عبادة الأوثان محال، وهو دليل على فساد التقليد، وأنه لا بد في الدين من حجة حتى يصح ويثبت «٢» .


(١) سورة الحج الآية ٣١.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>