للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى: فأصبح النبات بعد اخضراره، يابسا متفتتا، تفرقه الرياح وتنسفه وتذهب به حيث شاءت وكيف شاءت.

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد شبهت حال الدنيا في حسنها وجمال رونقها، ثم في سرعة زوالها وفنائها بعد ذلك، بحال النبات الذي نزل عليه الماء فاخضر واستوى على سوقه، ثم صار بعد ذلك يابسا متفتتا تذهب به الرياح حيث شاءت.

والتعبير بالفاء في قوله- سبحانه- فاختلط. فأصبح.. يزيد الأسلوب القرآنى جمالا وبلاغة، لأن فاء التعقيب هنا تدل على قصر المدة التي استمر فيها النبات نضرا جميلا، ثم صار هشيما تذروه الرياح.

وهكذا الحياة تبدو للمتشبثين بها، جميلة عزيزة، ولكنها سرعان ما تفارقهم ويفارقونها، حيث ينزل بهم الموت فيجعل آمالهم تحت التراب.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً أى: وكان الله- تعالى- وما زال- على كل شيء من الأشياء التي من جملتها الإنشاء والإفناء كامل القدرة، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

وقد ذكر- سبحانه- ما يشبه هذه الآية في سور كثيرة، ومن ذلك قوله- تعالى-:

إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ، حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ، وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها، أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ، كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ «١» .

ثم بين- سبحانه- القيمة الحقيقة للمال وللبنين فقال: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا.

والمال: اسم لكل ما يتموله الإنسان ويتملكه من النقود والعقار والحرث والأنعام.. إلخ والبنون: جمع ابن.

والزينة: مصدر. والمراد بها هنا، ما في الشيء من محاسن ترغب الإنسان في حبه.

أى: المال والبنون زينة يتزين بها الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ويتباهى بها على غيره.

وإنما كانا كذلك، لأن في المال- كما يقول القرطبي- جمالا ونفعا، وفي البنين قوة ودفعا.


(١) سورة يونس الآية ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>