للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال بعض العلماء ما ملخصه: والخلاف في كون إبليس من الملائكة أولا مشهور عند أهل العلم.

وحجة من قال إنه ليس منهم أمران: أحدهما: عصمة الملائكة من ارتكاب الكفر الذي ارتكبه إبليس، فهم- كما قال الله عنهم: لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ.

والثاني: أن الله- تعالى- صرح في هذه الآية الكريمة بأنه كان من الجن، والجن غير الملائكة. قالوا: وهو نص قرآنى في محل النزاع.

واحتج من قال بأنه منهم، بما تكرر في الآيات القرآنية من قوله: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ قالوا: فإخراجه بالاستثناء من لفظ الملائكة دليل على أنه منهم، والظواهر إذا كثرت صارت بمنزلة النص ومن المعلوم أن الأصل في الاستثناء الاتصال لا الانقطاع.

قالوا: ولا حجة لمن خالفنا في قوله- تعالى- كانَ مِنَ الْجِنِّ، لأن الجن قبيلة من الملائكة، خلقوا من بين الملائكة من نار السموم.

وأظهر الحجج في المسألة. حجة من قال: إنه ليس من الملائكة، لأن قوله- تعالى- إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ هو أظهر شيء في الموضوع من نصوص الوحى، والعلم عند الله- تعالى- «١» .

ومن المفسرين الذين يدل كلامهم على أن إبليس لم يكن من الملائكة. الإمام ابن كثير، فقد قال- رحمه الله- قوله: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ أى: خانه أصله، فإنه خلق من مارج من نار، وأصل خلق الملائكة من نور، كما ثبت في صحيح مسلم، عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» . فعند الحاجة نضح كل إناء بما فيه، وخانه الطبع عند الحاجة، وذلك أنه قد توسم بأفعال الملائكة، وتشبه بهم، وتعبد وتنسك فلهذا دخل في خطابهم، وعصى بالمخالفة.

ونبه- تعالى- هاهنا على أنه «من الجن» أى: «أنه خلق من نار..» «٢» .


(١) تفسير أضواء البيان ج ٤ ص ١٢٠.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>